تنبيهات في الحج على الكتابة المسماة (افعل ولا حرج) (4)
الشيخ العلامة/ عبد المحسن بن حمد العباد البدر
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد:
نكمل ما بدأناه في العدد السابق في الرد على الكتابة المسماة (افعل ولا حرج):
ولم يكن أمر الفتوى والكلام في مسائل العلم قاصراً على العلماء ومن ينتسب إلى العلم، بل أصبح مرتقى سهلاً يتسلق جدرانه كل من هبَّ ودبّ ممن لا ناقة لهم ولاجمل وليسوا في العير ولا في النفير، فطفحت الصحف بكلامهم المنفلت في مسائل العلم، ومن ذلك أن صحيفة قالت عن صحفية إنها اعتبرت آية المباهلة من أكثر الأدلة صراحة على إباحة الاختلاط، والتي نزلت عقب فرض الحجاب» حيث إن الآية أشارت إلى أن النبي(كان سيجلب معه نساءه وأولاده للمباهلة مع وفد أساقفة نجران!!
وهذا الاستدلال من عجائب الدنيا، ولعلها لم تُسبق إليه، وقد اهتدت إلى هذا العمى وعميت عن النور الذي جاء في قول الله عز وجل: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهً أُمَّةً مًّنَ النَّاسً يَسْقُونَ وَوَجَدَ مًن دُونًهًمُ امْرَأتَيْنً تَذُودَانً قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقًي حَتَّى يُصْدًرَ الرًّعَاء وَأَبُونَا شَيْخ كَبًير«23» فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إًلَى الظًّلًّ) [القصص:23-24] فهذه القصة في الأمم السابقة فيها أن امرأتين اضطرتا لشيخوخة أبيهما وعدم قدرته على سقي الغنم مع الرجال اضطرتا إلى الذهاب لسقي غنمهما وانتظرتا فراغ الرجال من سقي أغنامهم تجنباً لمزاحمتهم ومخالطتهم.
وجاء في الصحيفة نفسها أن صحفياً أضاف أن للاختلاط فوائد عدة، منها أنها تتيح الفرصة للرجل لمعرفة المرأة لطلب الزواج منها خلال ذهابها وإيابها، إلى جانب +ر الكثير من الحواجز التي تكون أحد الأسباب في طمع الشباب وانجذابهم المبالغ للجنس الآخر:(فتباعد الجنسين أحدهما عن الآخر يقضي بشدة التطلب:تطلب كل منهما لصاحبه وتلهفه عليه)!!
وفي مقابل ذلك أذكر كلام بعض العلماء والأمراء في خطورة الاختلاط وعظم أضراره، قال شيخنا الشيخ محمدا ـ لأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان (3/503) بعد كلام له:(على أن خروج المرأة وابتذالها فيه ضياع المروءة والدين» لأن المرأة متاع، هو خير متاع الدنيا، وهو أشد أمتعة الدنيا تعرضاً للخيانة، لأن العين الخائنة إذا نظرت إلى شيء من محاسنها فقد استغلت بعض منافع ذلك الجمال خيانة ومكراً، فتعريضها لأن تكون مائدة للخونة فيه ما لايخفى على أدنى عاقل، وكذلك إذا لمس شيئاً من بدنها بدن خائن سرت لذة ذلك اللمس في دمه ولحمه بطبيعة الغريزة الإنسانية، ولاسيما إذا كان القلب فارغاً من خشية الله تعالى، فاستغل نعمة ذلك البدن خيانة وغدراً، وتحريك الغرائز بمثل ذلك النظر واللمس يكون غالباً سبباً لما هو أشر منه» كما هو مشاهد بكثرة في البلاد التي تخلت عن تعاليم الإسلام، وتركت الصيانة، فصارت نساؤها يخرجن متبرجات عاريات الأجسام إلا ماشاء الله» لأن الله نزع من رجالها صفة الرجولة والغيرة على حريمهم، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم! نعوذ بالله من مسخ الضمير والذوق، ومن كل سوء، ودعوى الجهلة السفلة: أن دوام خروج النساء بادية الرؤوس والأعناق والمعاصم والأذرع والسُّوْق ونحو ذلك تذهب إثارة غرائز الرجال» لأن كثرة الإمساس تذهب الإحساس. كلام في غاية السقوط والخسة» لأن معناه: إشباع الرغبة مما لايجوز، حتى يزول الأرب بكثرة مزاولته، وهذا كما ترى، ولأن الدوام لايذهب إثارة الغريزة باتفاق العقلاء» لأن الرجل يمكث مع امرأته سنين كثيرة، ولا تزال ملامسته لها، ورؤيته لبعض جسمها تثير غريزته، كما هو مشاهد لا ينكره إلا مكابر:
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادى
وقد أمر رب السماوات والأرض، خالق هذا الكون ومدر شؤونه، والعالم بخفايا أموره، وبكل ما كان وما سيكون بغض البصر عما لايحل، قال تعالى:(قُل لًّلْمُؤْمًنًينَ يَغُضُّوا مًنْ أَبْصَارًهًمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلًكَ أَزْكَى لَهُمْ إًنَّ اللَّهَ خَبًير بًمَا يَصْنَعُونَ«30» وَقُل لًّلْمُؤْمًنَاتً يَغْضُضْنَ مًنْ أَبْصَارًهًنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدًينَ زًينَتَهُنّ)...الآية.
ونهى المرأة أن تضرب خلخالها في قوله تعالى:(وَلَا يَضْرًبْنَ بًأَرْجُلًهًنَّ لًيُعْلَمَ مَا يُخْفًينَ مًن زًينَتًهًنَّ) ونهاهن عن لين الكلام لئلا يطمع أهل الخنى فيهن، قال تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بًالْقَوْلً فَيَطْمَعَ الَّذًي فًي قَلْبًهً مَرَض وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً).
وقال ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكيمة(ص:280):(ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع من اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفُرَج ومجامع الرجال)، وقال(ص:281):(ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا،وهو من أسباب الموت العام بالطواعين المتصلة)، وقال:(فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية- قبل الدين- لكانوا أشد منعاً لذلك).
وقال الملك عبدالعزيز رحمه الله كما في كتاب المصحف والسيف للقابسي(ص:322):(أقبح ما هنالك في الأخلاق ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن وفتح المجال لهن في أعمال لم يُخلقن لها، حتى نبذن وظائفهن الأساسية: من تدبير المنزل، وتربية الأطفال، وتوجيه الناشئة ـ الذين هم فلذات أكبادهن وأمل المستقبل- إلى ما فيه حب الدين والوطن ومكارم الأخلاق...) إلى آخركلامه رحمه الله، وقد أوردته في رسالة: لماذا لاتقود المرأة السيارة في المملكة العربية السعودية؟(ص:21).
وقال الملك فهد رحمه الله في خطابه التعميمي رقم2966/م وتاريخ19/9/1404هـ: (نشير إلى الأمر التعميمي رقم11651 في 16/5/1403هـ المتضمن أن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال سواء في الإدارات الحكومية أو المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها أمر غير ممكن، سواء كانت سعودية أو غير سعودية» لأن ذلك محرم شرعاً، ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد، وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة في غير الأعمال التي تناسب طبيعتها أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال، فهذا خطأ يجب تلافيه، وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك والرفع عنه) من مجلة البحوث الإسلامية (العدد15ص:274).
وما طفحت به الصحف ما جاء في بعضها أن وضع حواجز بين الرجال والنساء في المسجد الحرام والمسجد النبوي بدعة، وأن صيام ست من شوال لا يجوز، وتهوين أمر صلاة الجماعة في المساجد وأنها تجوز في البيوت،وأن في إغلاق المتجر في أوقات الصلاة شلاًّ للحركة الاقتصادية!!
والواجب على كل مسلم ناصح لنفسه يرجو رحمة الله ويخاف عذابه أن يبتعد عن الكلام في دين الله بغير علم» لأن الله عز وجل قال: (قُلْ إًنَّمَا حَرَّمَ رَبًّيَ الْفَوَاحًشَ مَا ظَهَرَ مًنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإًثْمَ وَالْبَغْيَ بًغَيْرً الْحَقًّ وَأَن تُشْرًكُواْ بًاللّهً مَا لَمْ يُنَزًّلْ بًهً سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهً مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف:33] وقال:
(وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بًهً عًلْم إًنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئًكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئولاً)الإسراء36، وأن يرجع في معرفة أمور دينه لأهل العلم» لقول الله: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذًّكْرً إًن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) النحل43 ومن واجبات ولاة الأمور منعُ من لاعلم عنده من الكلام في دين الله بغير علم، قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين(4/217):(ومن أفتى الناس وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص، ومن أقرّه من ولاة الأمور على ذلك فهو آثم أيضاً، قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: ويلزم ولي الأمر منعهم كما فعل بنو أمية، وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب وليس له علم بالطريق، وبمنزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة، وبمنزلة من لامعرفة له بالطب وهو يطب الناس، بل هو أسوأ حالاً من هؤلاء كلهم، وإذا تعيّن على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبب من مداواة المرضى، فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنّة ولم يتفقه في الدين؟!
وكان شيخنا (- يعني شيخ الإسلام ابن تيمية- شديد الإنكار على هؤلاء، فسمعته يقول: قال لي بعض هؤلاء : أجُعلت محتسباً على الفتوى؟! فقلت له: يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب؟!).
وكان الفراغ من تحرير هذه التنبيهات في اليوم الثالث عشر من شهر رمضان لعام1428هـ. وأسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يهدي ضالهم ويعلّم جاهلهم، وأن يوفقهم للفقه في الدين والثبات على الحق، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.