من فوائد الحجّ ودروسه
الشيخ عبدالرزاق العباد
(خطبة صلاة الجمعة بمسجد القبلتين 21/12/1429هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّد عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه و على آله وصحبه أجمعين أما بعد؛
عباد الله، اتقوا الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب 70ـ71].
أما بعد عباد الله، فإنّنا نعيش هذه الأيام على إثر أداء عبادة عظيمة وطاعة جليلة ألا وهي حج بيت الله الحرام بما فيه من أعمال جليلة وشعائر عظيمة ومناسك مباركة تعود على من أكرمه الله جلّ وعلا بالحجّ، وعلى من تدبَّر أعماله وعاش أجواءه تعود على الجميع بالخيرات العظيمة والأفضال العميمة: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } [الحج27ـ 28].
عباد الله، نعم وإن كنّا قد ودّعنا الحجَّ بأعماله و شعائره إلا أنَّ دروسه العظيمة وعبره الجليلة وفوائده المؤثرة ينبغي أن تكون حاضرةً عند كلِّ مؤمن وأن يكون عاقلاً لها متدبِّراً متأمّلاً ليفيد من الحجّ و أعماله وليحقِّق شهود فوائد الحج ومنافعه.
عباد الله، الحج مدرسة إيمانية تربوية علميّة أخلاقية جامعة ويتفاوت الناس في تلقي هذه العبر والاستفادة من تلك الدروس.
عباد الله، ومن أعظم عبر الحج وآثاره وثماره ما فيه من تحقيق للاستجابة لله والطواعية له جلّ وعلا و امتثال أمره فعلا للمأمور و تركاً للمحظور: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } [البقرة197]، كم في قوله ـ عباد الله ـ: { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } كم في هذه النواهي من كبح لجماح النفس وتربية لها عن الامتناع عن المحظور والاجتناب للمحرمات وكم في قوله: { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ } من نهوض بالنفس لفعل الخيرات والإقبال على الطّاعات، وكم في قوله تعالى: { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} كم في هذه الكلمة من دعوة إلى الاستعداد والتهيؤ ليوم المعاد بتقوى الله وذلك بفعل ما أمر وترك ما عنه نهى و زجر.
عباد الله، ثم إنَّ تلبية الحاج المتكرّرة من حين انطلاقته من الميقات ثم تكرارها وتردادها بين المشاعر في هذا من التربية على الاستجابة لله والطواعية لأمره جلّ وعلا أفيليق بذلك الملبي المكرّر لكلمات التلبية "لبيك اللهم لبيك" أن يعود إلى دياره وأن يرجع إلى وطنه وهناك لا يحقق التلبية ولا يتمم الاستجابة لله جلّ و علا إنّ الواجب على من أكرمه الله جلّ و علا بالحجّ أن يعود إلى بلده على خير حال وأن يكون عوده إليه إلى خير مآل بفعل الطّاعات واجتناب المنكرات وهذه عبرة عظيمة تتلقى من الحج وقد نبه عليها صلوات الله و سلامه عليه عموم الحجيج في حجّة الوداع نبّه على الجانبين فعل الأوامر وترك النواهي فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في حجة الوداع: ((اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ ))[رواه الترمذي وصححه] هذا في جانب فعل المأمور.
وفي جانب ترك المحظور روى سلمة بن قيس الأشجعي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب الناس في حجّة الوداع فقال: ((أَلاَ إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً، وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَسْرِقُوا )) [رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه] فحذّر عليه الصلاة و السلام من فعل الكبائر و ارتكاب العظائم و بهذا يعلم أنّ الواجب على كلِّ حاج بل الواجب على كلّ مسلم أن يتقي الله جلّ وعلا وأن يتزوّد ليوم المعاد بخير زاد وهو تقوى الله جلّ و علا و ذلك بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه و زجر قال الله تعالى في تمام آيات الحج: { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [البقرة203] بارك الله لي و لكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِِِّكر الحكيم أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم و لسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنّه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل و الجود و الإمتنان، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمد عبده و رسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد؛
عباد الله، فإنّ من عبر الحجّ وعظاته العظيمة أنّ فيه تذكيراً بيوم المعاد و تذكيراً بحشر الناس و جمعهم بين يدي ربّ العالمين فيوم عرفات يوم يجتمع فيه الناس من أنحاء الدنيا يجتمعون على صعيد واحد وأرض واحدة وهذا ـ عباد الله ـ يذكِّر بجمع الله جلّ و علا للأوّلين والآخرين في عرصات يوم القيامة {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة18].
عباد الله ولهذا فإنّ مما ينبغي للحاج أن يرجع به درساً عظيما استفاده من حجِّه أن يكون دائماً على ذكر من الحساب والجزاء و الوقوف بين يدي الله تبارك و تعالى و لعلّ ختم آيات الحجّ بقوله جل و علا: { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } فيه تنبيه على هذا المطلب الجليل والكيس ـ عباد الله ـ من دان نفسه و عمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأماني.
واعلموا أنّ أصدق الحديث كلام الله و خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه و سلم و شرّ الأمور محدثاتها وكلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة وصلوا و سلِّموا ـ رعاكم الله ـ على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [الأحزاب56]، وقال صلى عليه الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَىَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بها عَشْرًا )).
اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وارضَ اللهمّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين و أبي الحسنين علي، وارضَ اللهمّ عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزّ الإسلام و المسلمين و أذلّ الشرك و المشركين و دمِّر أعداء الدين، اللهم انصر من نصر دينك و كتابك و سنة نبيك محمد صلى الله عليه و سلم، اللهمّ و عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك اللهم إنا نجعلك في نحورهم و نعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهمّ آمنا في أوطاننا وأصلح أئمّتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ربّ العالمين اللهم وفّق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك وأعنه على طاعتك وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لكل قول سديد و عمل رشيد.
اللّهم آتِ نفوسنا تقواها زكِّها أنت خير من +ّاها أنت وليها ومولاها، اللهم أعنّا ولا تعن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا واهدنا ويسِّر الهدى لنا وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك شاكرين لك ذاكرين إليك أوّاهين منيبين إليك مخبتين مطيعين، اللهمّ تقبل توبتنا واغسل حوبتنا و ثبِّت حجتنا وأجب دعوتنا واهد قلوبنا وسدّد ألسنتنا واسلل سخيمة صدورنا، اللهم أصلح ذات بيننا وألِّف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النّور وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا و ذرياتنا وأموالنا واجعلنا مباركين أينما كنّا اللّهم إنّا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى اللهم، إنّا نسألك الهدى والسّداد، اللّهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربّنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ذنبنا كلّه دقّه وجلّه أوله وآخره سرّه وعلنه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللّهم إنّا نستغفرك إنّك كنت غفّاراً فأرسل السماء علينا مدراراً، اللّهم اسقنا وأغثنا، اللّهم اسقنا وأغثنا، اللهمّ اسقنا وأغثنا، اللّهم إنّا خلق من خلقك وعبيد من عبادك فلا تمنع عنّا بذنوبنا فضلك، اللّهم اسقنا غيثاً مُغيثاً هنيئاً مريئاً سحّا طبقاً نافعا غير ضارّ عاجلاً غير آجل، اللهمّ لا تؤاخذنا بما فعله السُّفهاء منّا، اللّهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللّهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله وسلّم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبيّنا محمّد وآله و صحبه أجمعين.
ا