معالم توحيد الله في الحج
الشيخ فرج المرجي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد:
الحج ركن من أركان الإسلام وفريضة من فرائضه العظام التي بُني عليها دين الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم «بُني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء ال+اة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام» [رواه البخاري ومسلم]، وقد قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه....) [رواه البخاري ومسلم].
وما ثبوت هذه المكانة والمنزلة لهذه العبادة إلا لقيامها على أصل الدين، وهو توحيد الله تعالى من أول هذه العبادة إلى آخرها.
فمن أول معالم التوحيد في الحج النية الخالصة لله تعالى في هذا النسك، قال تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) [الكهفـ 110]، وقال تعالى في الحديث القدسي (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) [رواه مسلم عن أبي هريرة].
ومن معالم توحيد الله في الحج ترك العبد الدنيا وراء ظهره لله تعالى، فيترك العبد ماله وأهله حتى مظاهر الدنيا، ومنها اللباس يتجرد لله تعالى منه.
ومن معالم توحيد الله تعالى في الحج إهلاله واستعانته بالله تعالى في هذا النسك فيقول لبيك حجا أي أجبتك يا الله بهذا النسك إجابة تامة.
ومن معالم توحيد الله تعالى في الحج أنه عهد يعاهد به العبد ربه أن يبقى على طاعته وعبادته لأن من معاني لبيك الإقامة فكأن الحاج يعاهد ربه بالإقامة على طاعته وحسن عبادته.
ومن معالم توحيد الله تعالى في الحج الشروع في التلبية لله تعالى من الإحرام إلى الانتهاء من أعمال الحج، حيث يردد الحاج وينادي (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)، فهذه الجملة تحمل من معاني توحيد الله تعالى ما لا يحمله أي قول آخر ولو كان مشروعا ولذلك كانت هي تلبية سيد الموحدين محمد صلى الله عليه وسلم، قال جابر بن عبد اللهـ رضي الله عنهـ في حجة الوداع لرسول الله، ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بالتوحيد (لبيك اللهم لبيك...) الحديث، حيث إنه إجابة بعد إجابة لله تعالى لا شريك ولا نظير ولا ند له تلك المحامد والنعم كلها والملك له سبحانه فهو الإله الحق، فاستحق الإفراد بالعبودية كلها، فما أجمل هذه الجمل وما أجمل تردادها.
ومن معالم توحيد الله تعالى في الحج امتثال أمر الله تعالى حيث إن الحجاج يتوجهون إلى أماكن وأزمنة معلومة ومحدودة إلى منى ثم عرفات ثم مزدلفة ثم الجمرات، قال صلى الله عليه وسلم «إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمرات لإقامة ذكر الله».
وقال صلى الله عليه وسلم «الحج عرفة» [رواه البخاري ومسلم]، وقال تعالى (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) [البقرةـ 198]، توحيد في العقيدة وتوحيد في المنهج والمقصد.
ومن معالم توحيد الله تعالى في الحج زيارة بيت الله تعالى وتقبيل الحجر، قال الله تعالى (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) [الحج: 30ـ29]، وقال عمر بن الخطابـ فاروق هذه الأمة رضي الله عنهـ عن الحجر: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) [رواه البخاري ومسلم]، وذلك لأنه من شعائر الله (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) [الحجـ 32].
ومن معالم توحيد الله تعالى في الحج تلك الهدايا من بهيمة الأنعام التي تهدى إلى الحرم تنحر لله تعالى تقربا إليه وشكرا له أن هداهم ويسر لهم هذا النسك، قال تعالى (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) [الحجـ 37].
ومن معالم توحيد الله تعالى في الحج إعلان اسمه وتوحيده على ما يذبح وبيان فضله تعالى فيها على عباده ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول «باسم الله والله أكبر اللهم هذا منك وإليك» [رواه البخاري]، وقال تعالى (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف) [الحجـ 36].
ومن معالم توحيد الله تعالى في الحج تقبل توجيهات الله تعالى في أيام الحج حيث المبيت بمنى ليلا ورمي الجمرات نهارا.
ومن معالم توحيد الله تعالى في الحج لهج ألسن الحجاج بذكر الله تعالى في أيام الحج قال تعالى (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) وقال تعالى (واذكروا الله في أيام معدودات) [البقرةـ 203]، وقال صلى الله عليه وسلم «أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى».
ومن معالم توحيد الله تعالى في الحج ختام هذا النسك العظيم بتوديع بيت الله الحرام، قال صلى الله عليه وسلم «لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت...» [رواه البخاري ومسلم].
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يجعلني بمنه وكرمه ممن شيد معالم توحيد الله تعالى في نفسه أولا ثم دعا المكلفين إليها، والحمد لله رب العالمين.