أركان الحج
الشيخ عبدالعزيز العتيبي
من أراد الشروع في الحج فعليه أن يختار أحد أنواع النسك، وللحج ثلاثة أنواع للنسك:
1ـ الإفراد (الإحرام بالحج وحده)
2ـ القران (الإحرام بالعمرة والحج معاً)
3ـ التمتع (أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم يتحلل منها، ويحرم بالحج) قال تعالى (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) [البقرةـ 196].
قال الجوهري: النسك بالإسكان العبادة، وبالضم الذبيحة، وبعض العلماء يرى أن أفضلها التمتع لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يسق الهدي بالإحلال والتمتع فيه زيادة أعمال.
أركان الحج
الركن الأول: (الإحرام) وهو (نية الدخول في النسك)، ويقصد به أن ينوي بقلبه الدخول في هذه العبادة ثم يحدد نوع نسكه، فإن كان مفردا قال "لبيك حجا"، وإن كان قارنا قال "لبيك عمرة وحجا"، وإن كانت عمرة قال "لبيك عمرة"، والنية شرط لصحة جميع الأعمال، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات"، ومحلها القلب ولا يتلفظ بها، قال تعالى (أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين)، فالله يعلم ماذا يقصد العبد بعمله ولا يشرع التلفظ بما نوى إلا في الإحرام لوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الحاج أن يستحضر نية الدخول في الحج وأن يكون الدافع له للتنقل بين المشاعر، هو التعبد والقيام بشعائر الحج وإن حصلت التجارة والسياحة تبعا فلا بأس، قال تعالى (ليشهدوا منافع لهم) [الحجـ 28]، ولا بد من معرفة الفرق بين الإحرام والإحرام من الميقات، فالإحرام ركن لا يصح الحج بتركه، والإحرام من الميقات واجب.
الركن الثاني: (الوقوف بعرفة) قال تعالى (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين) [البقرةـ 198].
ويوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة وهو اليوم الذي بفواته يفوت الحج، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "الحج عرفة"، لأنه لا يمكن تعويضه أو الوقوف في هذا المكان في أي يوم آخر ويسن التكبير بالذهاب من منى إلى عرفة يوم عرفة، ويكون ملبياً أو مكبراً ويكثر في ذلك اليوم من ذكر الله والدعاء فإنه حري أن يستجاب في هذا الموضع، وعرفة كلها موقف، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم "وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف".
الركن الثالث: (طواف الإفاضة) قال تعالى (وليطوفوا بالبيت العتيق) [الحجـ 29]، ولا طواف في الإسلام إلا الطواف حول الكعبة المشرفة، قيل أن أحد الولاة نذر أن يقوم بعبادة لله لا يشاركه فيها أحد، فأفتاه أحد العلماء بأن يُخلي مكان الطواف ويطوف وحده، وبذلك يكون في عبادة لله لا يشاركه فيها أحد، وبهذا نعلم أن عبادة الطواف لا تقام إلا في هذا المكان خاصة، وإذا ابتدأ الطواف يكون على طهارة ويبدأ بالحجر الأسود وينتهي عنده، ويكبر مع بداية كل شوط من أشواط الطواف السبعة، ويقبل الحجر الأسود فإن لم يستطع تقبيله استلمه بيده وقبل يده، وإلا فيشير إليه إشارة مستقبلا له، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تقبيل الحجر الأسود ففي البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال:" رأيت عمر بن الخطابـ رضي الله عنهـ قبّل الحجر، وقال: لولا أني رأيت رسول الله قبَّلك ما قبّلتك"، والمقصود هو عبادة رب هذا البيت والذي شرف هذا البيت هو الله، قال تعالى (فليعبدوا رب هذا البيت) [قريشـ 3]، وإضافته إلى الله إضافة تشريف وعند الطواف يجعل البيت عن يساره.
ماذا يقول في الطواف؟
يقرأ القرآن ويذكر الله بأن يقول (لا إله إلا الله) و(سبحان الله) و(الحمد لله) و(الله أكبر) وغيرها، ويدعو الله كأن يقول "ربي اغفر لي ذنبي" أو "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب"، أو أي دعاء آخر يسأل الله الجنة والنجاة من النار أو يدعو بأمور الدنيا التي يحتاجها كتفريج كربة أو نصر على الأعداء أو شفاء مريض، ويسمي حاجته، وإذا كان بين الركن اليماني والحجر الأسود يقول (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
ويسن استلام الركن اليماني دون تقبيله وسمي باليماني لأنه باتجاه اليمن فهو في الجزء الجنوبي من الكعبة المشرفة، وليحرص على ضبط العدد (سبعة أشواط) فإن شك فيبني على الأقل ويكمل، مثلا لو شك طفت خمسا أم أربعا، فليحتسبها أربعاً ويبدأ بالخامس، ثم إذا انتهى من الطواف يسن أن يصلي ركعتين خلف المقام.
عن ابن عمرـ رضي الله عنهماـ قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ثم صلى خلف المقام وطاف بين الصفا والمروة" [رواه البخاري]، وينبغي أن يؤدي هذه العبادة بخشوع ويحرص على عدم إيذاء الآخرين.
الركن الرابع: (السعي بين الصفا والمروة) قال تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) [البقرةـ 158].
قال ابن حجر في الفتح عن تسمية السعي "طواف":(فيه تجوز، لأنه يسمى سعيا لا طوافا إذ حقيقة الطواف الشرعية فيه غير موجودة أو هي حقيقة لغوية).
يبدأ السعي بالصعود على الصفا ويقرأ عند بدء الشوط الأول قوله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله) ويستقبل القبلة ويكبر ويقول (لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)، ثم يدعو بما شاء من الأدعية ثم ينزل عن الصفا ويمشي متجها إلى المروة فإذا وصل بين الميلين أسرع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ففي البخاري عن ابن عمرـ رضي الله عنهماـ أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يسعى بين المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة"، وإذا وصل إلى المروة فعل عندها مثلما فعل على الصفا، إلا إنه يقرأ الآية (إن الصفا والمروة).
قال العلامة ابن بازـ رحمه اللهـ "ويفعل على المروة كما فعل على الصفا ما عدا قراءة الآية (إن الصفا والمروة) فهذا إنما يشرع عند الصعود على الصفا في الشوط الأول فقط" [التحقيق والإيضاح].
والسعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط من الصفا إلى المروة، الشوط الأول ثم من المروة إلى الصفا الشوط الثاني وهكذا، يبدأ الأول من الصفا وتكون نهاية السابع عند المروة.
ماذا يقول في السعي؟
ينشغل بقراءة القرآن والذكر لله بالتسبيح والتهليل والتكبير، والاستغفار وما تيسر من الدعاء.
لا يلبي عند الطواف أو السعي
التلبية (لبيك اللهم لبيك) تكون من بداية الشروع في العمرة أو الحج وتنتهي في العمرة عند رؤية الكعبة المشرفة للابتداء بالطواف وتنتهي التلبية في الحج عند رمي جمرة العقبة، هذه أركان الحج الأربعة فمن ترك ركنا منها لم يصح.
واجبات الحج
الإحرام من الميقات (وهو المكان الذي يتم الإحرام منه) والمواقيت المكانية (ذو الحليفة) لأهل المدينة و (الحجفة) لأهل الشام، و (قرن المنازل) لأهل نجد ويسمى اليوم (السيل)، و (يلملم) لأهل اليمن، و (ذات عرق) لأهل العراق، ومن كان دون هذه المواقيت من جهة مكة فميقاته من بلده وميقات أهل مكة من مكة، وهذه الأماكن لا يجوز لمن أراد الإحرام أن يتجاوزها وهو لم يحرم، وقال بعض العلماء: يكره الإحرام قبلها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الحجفة وأهل نجد من قرن ويهل أهل اليمن من يلملم" [رواه مسلم].
1) الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس، فقد بكر النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم التاسع من ذي الحجة بالذهاب إلى عرفة ولم ينصرف منها إلا مع غروب الشمس، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "خذوا عني مناسككم".
2) المبيت بمزدلفة (ليلة النحر): قال صاحب الروض المربع ـ رحمه الله ـ: ويبيت بها وجوبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها، وقال صلى الله عليه وسلم "خذوا عني مناسككم".
3) رمي الجمار: ويكون الرمي في يوم النحر، وأيام التشريق، عن جابرـ رضي الله عنهـ قال:"رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى ورمى بعد ذلك بعد الزوال".
4) الحلق أو التقصير: ورد عن ابن عباسـ رضي الله عنهماـ أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم يقصروا من رؤوسهم ثم يحلوا) [رواه البخاري].
والحلق أفضل من التقصير لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين بالمغفرة والرحمة ثلاث مرات وللمقصرين مرة واحدة، كما جاء في صحيح مسلم، والتقصير يكون من جميع جوانب الرأس، أما المرأة فتجمع شعرها وتأخذ منه بقدر الأنملة.
5) المبيت بمنى ليالي التشريق: عن ابن عمرـ رضي الله عنهماـ أن العباسـ رضي الله عنهماـ استأذن النبي صلى الله عليه وسلم ليبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له. [رواه البخاري ومسلم].
فالعباس استأذن لعذر وقد أذن له النبي صلى الله عليه وسلم.
6) طواف الوداع: وهذا الطواف هو ختام لأعمال الحج، فيكون آخر عهد الحاج بمكة بيت الله الحرام بالطواف حوله، عن ابن عباسـ رضي الله عنهماـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا ينفرنَّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت" [رواه مسلم].
محظورات الإحرام
المحظور هو الممنوع، المحظورات هي التي يحرم على المحرم فعلها بعد دخوله في النسك حتى يتحلل منه وهي:
1ـ حلق الشعر: قال تعالى (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) [البقرةـ 196]، إلا لعذر فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة أن يحلق رأسه وهو محرم وتلزمه الفدية وهي صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة.
2ـ الطيب: فلا يجوز للمحرم أن يتطيب وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تطييب الرجل الذي وقصته دابته وكان قد أحرم فقال صلى الله عليه وسلم "ولا تحنطوه"، قال النووي: والحنوط هو أخلاط من الطيب.
3ـ تقليم الأظافر.
4ـ يحرم على المحرم لبس المخيط، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل" [رواه مسلم]، والبرنس هو رداء يكون فيه غطاء الرأس ملتصقاً بالثوب مثل لباس المغاربة ولفظة (لبس المخيط) يقصد بها الألبسة التي ذكرت في الحديث، أي ما تم تفصيله على الجسم وليس المقصد كل ما فيه خيط، ولذلك يجوز لبس الحزام، والمرأة يجوز لها لبس المخيط مما يحرم على الرجل ويحرم عليها لبس البرقع والنقاب والقفازين لورود النهي عن ذلك وإذا كان الرجال قريبين منها تغطي وجهها بخمارها.
5ـ تغطية الرأس: لا يجوز تغطية الرأس للمحرم فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تغطية رأس الرجل الذي وقصته دابته وقد أحرم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ولا تخمروا رأسه" [رواه مسلم]، ولا بأس بالاستظلال تحت شجرة أو خيمة أو أن يحمل حاجة على رأسه فهذا ليس من التغطية المنهي عنها، وتغطية الرأس خاص بالذكر فلا يغطي رأسه برداء ملاحق.
6ـ قتل الصيد أو اصطياده: قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) [المائدةـ 95]، فلا يجوز للمحرم قتل الصيد البري، قال تعالى (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) [المائدةـ 96].
فالمحرم لا يحل له الصيد منذ إحرامه وإن دخل مكة ووصل حدود الحرم فإنه لا يحل له الصيد داخل الحرم، فلا يجوز قتل طير الحرم أو تنفيره للمحرم وغير المحرم.
7ـ عقد النكاح: وهو محظور لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا ينكح المحرم ولا يخطب" [رواه مسلم].
8ـ خطبة النساء ومباشرتهن بشهوة.
9ـ الرفث وهو الجماع، قال تعالى (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث) [البقرةـ 197]، وقد ذكر العلماء أنه المحظور الوحيد الذي فعله يفسد الحج إن حصل قبل التحلل الأول، والتحلل الأول يكون بعد الوقوف بعرفة ثم القيام بعمل اثنين من ثلاثة وهي (الرميـ الحلقـ الطواف)، فإن رمى وحلق حصل التحلل الأول، فيحل له كل شيء من المحظورات إلا النساء، فإن فعل الجميع حلت له كل المحظورات، وليحرص الحجاج على اتباع السنة والاقتداء بهدي نبيهم في حجهم فقد قال صلى الله عليه وسلم "خذوا عني مناسككم"، وليحرصوا على سلامة حجهم حتى يكون حجا مبرورا يعود صاحبه وقد غفرت ذنوبه وليحرصوا على الإخلاص لله واحتساب أجر النفقة والمشقة في سبيل الله وعليهم بالخشوع والسكينة ونفع الناس في تلك المشاعر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.