الحج موسم لتصحيح العقيدة
الشيخ سلطان العيد
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد: فلقد دأب أهل البدع على نشر بدعهم واستغلال المواسم واجتماع الناس لنشر ضلالهم، ومنها: موسم الحج ، ومن هؤلاء المفسدين في الحج: الخوارج الضُّلاّل، فوقائعهم التاريخية شاهدة على استغلالهم موسم الحج واجتماع الناس لنشر ذلك المنهج الخبيث، فكان اجتماع قادة الخوارج ورؤسهم في موسم الحج، وهكذا سار أحفادهم وأتباعهم إلى وقتنا الحاضر، وما حادثة الحرم في مطلع القرن، والحوادث التي كانت بعده من اتباع ابن سبأ إلا شاهد على ذلك، ومن تلك الشواهد قصة يزيد الفقير حينما خرج في عصابة يريدون الحج ثم الخروج على الناس، فمروا بجابر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ;، وحصل بينهم وبينه مجادلة أعادت أكثرهم إلى عقيدة أهل السنة وتركوا مذهب الخوارج.. فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن يزيد الفقير أنه قال:" كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج، ثم نخرج على الناس، قال: فمررنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله - رضي الله عنه- يُحدِّث القوم، جالس إلى سارية، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ;. قال يزيد: فإذا هو قد ذكر الجهنميين، قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله، ما هذا الذي تحدثون به ؟! والله يقول(إنك من تدخل النار فقد أخزيته); ويقول( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها); فما هذا الذي تقولون ؟! فقال جابر: أتقرأ القرآن ؟! قلت: نعم. قال: فهل سمعت بمقام محمد صلى الله عليه وسلم; (يعني الذي يبعثه الله فيه؟) قلت: نعم. قال: فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم; المحمود، الذي يُخرج الله به من يخرج. قال يزيد: ثم نعت وضع الصراط ومرَّ الناس عليه. قال: وأخاف أن لا أكون أحفظ ذلك. قال: غير أنه قد زعم أن قوماً يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها. قال: يعني فيخرجون كأنهم عيدان السماسم. قال: فيدخلون نهراً من أنهار الجنة، فيغتسلون فيه فيخرجون كأنهم القراطيس. قال يزيد: فرجعنا فقلنا: ويحكم! أتُرون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!. قال: فرجعنا، فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد". [كتاب الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها برقم (191)] وفي هذه الحادثة التي خرّجها الإمام مسلم فوائد منها: • أولاً: أن أهل البدع يستغلون موسم الحج للدعوة إلى باطلهم، كما قال يزيد:(فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد أن نحج، ثم نخرج على الناس). أي: نظهر مذهبنا في ذلك الموسم وندعوا الناس إلى هذه البدعة وهي بدعة الخوارج. والخوارج هم الذين يكفرون أهل الإسلام بالكبائر، ويردون السنة بظاهر القرآن، ويستحلون دماء المسلمين. • ثانياً: على أهل السنة أن يستغلوا موسم الحج لتفقيه الناس ونشر العقيدة الصحيحة والتحذير من البدع، كما فعل جابر بن عبد الله رضي الله عنه، فإن هؤلاء الحجاج الذين يحملون فكر الخوارج الضُلاَّل مرّوا على مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فرأوا تلك الحلقة حلقة علم يُحدث فيها جابر - رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم;، فذكر فيها حديث النبي صلى الله عليه وسلم; عن أناس من أهل التوحيد يدخلون جهنم بسبب ذنوبٍ كبائر اقترفوها، ثم بعد أن يعذبوا على قدر ذنوبهم يخرجون من النار إلى الجنة بفضل الله ورحمته ومنِّه. والخوارج يرون أن من دخل النار من الموحدين لا يخرج منها، فلما سمعوا ذلك من جابر - رضي الله عنه- كان سبباً في تصحيح عقيدتهم ورجوعهم عن مذهبهم الباطل وتكفيرهم لأهل الإسلام. • ثالثاً: في هذا الحديث بيان فضل مجالس العلم والعلماء، وأن تصحيح العقيدة يكون فيها، فعلى المربين للشباب أن يقودوهم ويرشدوهم إلى مجالس العلم، ويربطوهم بالعلماء الربانيين، وأما تلك الألفاظ المنفرة من العلماء ومجالسهم كقول بعضهم: إن العلماء يشتغلون بالجزئيات! ولا ينزلون إلى الشباب! ولا يفقهون الواقع! ونحو ذلك من الألفاظ المنفرة، فينبغي أن تجتنب فإنها من ألفاظ الخوارج الضُلاَّل الذين اشتهر عداؤهم لعلماء أهل السنة السلفيين. • رابعاً: ومما يستفاد من هذه القصة أيضاً: خطورة منهج الخوارج لقول يزيد:(كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج) وشغفني أي: لصق بشغاف قلبي وهو غلافه. • خامساً: أن إحسان الظن بالعلماء سبيل للانتفاع بعلمهم كما قال هؤلاء الذين كانوا يحملون مذهب الخوارج لما سمعوا قول جابر بن عبد الله:(ويحكم! أتُرون الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم; ؟!). فلم يصدقوا ذلك بل نزَّهوا جابراً عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم; وتابعوه. • سادساً: ويستفاد منها: أن شباب الخوارج وشيبهم قد يرجعون إلى السنة بعد المحاورة والمجادلة بالحق، لأن الجهل غالبٌ عليهم، فإذا سمعوا كلام العلماء برغبة وإقبال وطلب للحق انتفعوا بإذن الله سبحانه وتعالى. • سابعاً: ويستفاد من هذه القصة: أن أصحاب الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم; كالزناة وشُرَّاب الخمر والمرابين وغيرهم إذا دخلوا النار لا يخلدون فيها. ومذهب أهل السنة في أصحاب الكبائر يتلخص في أمور: 1- أنهم لا يكفرون صاحب الكبيرة بل يرون أنه مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته. 2- ومنها: أنهم يرون أنه تحت مشيئة الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه، كما قال ربنا جلّ وعلا (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). 3- ومن مذهب أهل السنة في أصحاب الكبائر: أنهم يرون أن من دخل النار من أهل الكبائر من الموحدين فإنه لا يُخلد فيها بل يخرج منها كما دلّ عليه هذا الحديث وغيره. • ثامناً: ويستفاد من هذه الحادثة التي وقعت لهؤلاء الحجاج ومنهم يزيد الفقير: أن كلام العلماء والدعاة في الحج لا يقتصر على مسائل الحج فقط، بل تذكر معها مسائل العقيدة والتحذير من البدع المنتشرة كما فعل جابر رضي الله عنه، فليحرص أهل العلم على التحذير من فتنة العصر فتنة الخوارج. • تاسعاً: ويستفاد من هذه القصة: أن هؤلاء الذين خرجوا في هذه الأيام يكفرون أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويضربون برّها وفاجرها ولا يتحاشون من مؤمنها ويستحلون دماء رجال الأمن وغيرهم، أقول: يستفاد منها أن لهم أصلاً وجذوراً في تاريخ هذه الأمة، وأن من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم; أنه أخبر عن خروجهم فقال: "ينشأ نشؤ يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قطع كلما خرج قرن قطع - حتى عدّ النبي صلى الله عليه وسلم; أكثر من عشرين مرة- حتى يخرج في أعراضهم الدجال" السلسلة الصحيحة (2455) . وفي هذا الحديث بشارة لأهل السنة بأنهم منصورون غالبون للخوارج وأن هؤلاء الضلال يصاحبهم الذل بإذن الله تعالى. • عاشراً: ويستفاد من هذه الحادثة: أن الخوارج لا يعظمون حرمات الله، بل يجتهدون في باطلهم في الشهر الحرام و البلد الحرام، قال يزيد:(كنا نريد الحج ثم نخرج على الناس بعد ذلك). وكانوا عصابة ذو عدد كلهم قد شغفوا برأي الخوارج، فأرادوا أن يظهروا مذهبهم، و ومن يخالفهم ويرد عليهم في ذلك فإنهم يعادونه بل يكفرونه ويستحلون دمه! وهذا هو طبع الخوارج وهذا خلقهم، لا يعظمون حرمات الله وحدوده، وقد بعث الله تعالى نبينا الخاتم صلى الله عليه وسلم; بتعظيم حرمات الله وحفظ الحقوق فقال النبي صلى الله عليه وسلم; يوم عرفة:(إن دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد). ومما جاء به دين الإسلام: تعظيم الأشهر الحرم وهي أربعة: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، كما قال ربنا سبحانه في محكم التنـزيل (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم). وكان الناس في الجاهلية يعظمون هذا الأشهر الأربعة المحرمة، فإذا دخلت هذه الأشهر الحرم وضعوا السلاح، ولم يتعرض أحد منهم لعدوه، أما هؤلاء فإنهم قد سفكوا الدم الحرام! في الشهر الحرام! كما في هذا التفجير الأخير في ذي القعدة، فلا إله إلا الله ما أجرأهم على ارتكاب حرمات الله وحدوده. ومما جاءت به هذه الشريعة بتحريمه البلد الحرام فإن النبي صلى الله عليه وسلم; خطب الناس بعد فتح مكة فقال:(إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات ولأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكة ولا يختلى خلاه ولا ينفر صيده ولا تحل لقطته إلا لمنشد). فإذا كان الصيد لا ينفر في البلد الحرام فكيف بإخافة أهل الإسلام، فكيف بترويع أهل التوحيد والسنة، وسفك الدم الحرام في البلد الحرام، وكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه في الجاهلية في المسجد الحرام فلا يهيجه ولا يعرض له بسؤ، أما هؤلاء فقد انتهكوا البلد الحرام. ومما جاءت به الشريعة من تعظيم الحرمات، ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم; في خطبته بعرفات: وهي حرمة الدماء، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم; أنه قال:"لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً"(صحيح الجامع (7691). ويروى عنه صلى الله عليه وسلم; أنه قال:"لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق"(صحيح الجامع (5078) أو كما قال صلى الله عليه وسلم;. وأنتم ترون ما يفعله هؤلاء الضُلاّل، فإن لله وإنا إليه راجعون. فاحرصوا معاشر الأخيار على الدعوة إلى توحيد رب العالمين، وتحذير الناس من هذه البدع والشركيات في هذا الموسم المبارك، فإن الناس يفدون إليكم من كل فج عميق، فعلِّموهم السنة وحذروهم من الشرك والبدع المضلة فإنها قد فشت في أمة محمد صلى الله عليه وسلم; ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، واجعلوا هذا الموسم موسم تصحيح للعقيدة، وإبطال للبدع وأمور الجاهلية، ونشر للسنة، والله معكم ولن يتركم أعمالكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.