ذكرى شهر الله المحرم
الشيخ فرج المرجي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
إن لذكرى عاشوراء محبة وإجلالاً وفخراً في قلب كل مؤمن جعل القرآن هاديه، وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم دليله، وذلك لما جرى ووقع فيها من الحوادث والمجريات التي يتخذ العبد المؤمن منها الدروس والعبر.
وصادف أن تكون في شهر الله المحرم الذي بيَّن الله تعالى في كتابه تعظيمه بقوله (إًنَّ عًدَّةَ الشُّهُورً عًندَ اللّهً اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فًي كًتَابً اللّهً يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مًنْهَا أَرْبَعَة حُرُمي ذَلًكَ الدًّينُ الْقَيًّمُ فَلاَ تَظْلًمُواْ فًيهًنَّ أَنفُسَكُمْ)[التوبةـ36]، وقال صلى الله عليه وسلم في بيان فضل هذا الشهر «أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله الذي تدعونه المحرم» [رواه مسلم].
ولكن لما وقع في هذا الشهر عموما وفي يوم عاشوراء خصوصا من الأعمال التي منها المشروع وحث دين الإسلام عليها،
والممنوعات التي حذر دين الإسلام منها، جعلت هذه المقالة ليتضح ويقف القارئ الكريم على المشروع منها والممنوع كل بدليله من معدنه الأصلي القرآن والسنة اللذين هما ميزان الحق والباطل.
فمن الأعمال المشروعة في هذا الشهر الحث على صيامه مطلقا لما جاء في فضله بقول نبي الهدى صلى الله عليه وسلم «أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله الذي تدعونه المحرم»، ومن المشروع صيام يوم عاشوراء منه خصوصا شكراً لله تعالى بما أنعم به على نبيه موسىـ عليه السلامـ والمؤمنين معه بنجاتهم من عدوهم فرعون وقومه، فعن ابن عباسـ رضي الله عنهماـ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة رأى اليهود يصومون هذا اليومـ أي يوم عاشوراءـ فسألهم فأخبروه أنه يوم عظيم نجى الله فيه موسى وقومَه من فرعون وقومًه فنحن نصومه شكرا لله، فقال صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بموسى منكم» فصامه وأمر الناس بصيامه حتى فرض الله صيام شهر رمضان ثم ترك الأمر بصيامه على الاستحباب، وقال في آخر حياته بعد ما أُمر بمخالفة أهل الكتاب «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» ـأي معهـ تحقيقا لمخالفة أهل الكتاب ثم مات صلى الله عليه وسلم ولم يدرك العام القابل ومضت سنته بصيامهما، ولما سُئل صلى الله عليه وسلم عن أجر صيام يوم عاشوراء قال: «يكفر السنة الماضية» [رواه مسلم].
فما أحوجنا أيها القارئ الكريم لتكفير السيئات التي باتت تجمع الران على القلوب.
إذن فمن المشروع الذي دلت عليه السنة المحمدية في يوم عاشوراء الصيام الذي هو من أفضل العبادات التي اختصها الله لنفسه من دون سائر الأعمال بقوله في الحديث القدسي (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).
ومن الأعمال المشروعة أيضا ما يتبع الصيام عادة من الأعمال الصالحة مثل كثرة التنفل بالصلاة والصدقة وقراءة القرآن.
أما ما هو ممنوع فهو ناتج عن أمرين، الأول: البعد التام عن هدي خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم.
الثاني: ضعف الوازع الديني في قلوب الكثير والجهل المتراكم بأحكام هذا الدين الميسر بكل معاني اليسر.
أيها القارئ الكريم شهر الله المحرم شهر فرح وسرور وشكر لله تعالى بنصر أوليائه وأتباعهم فلا يجوز اتخاذه على خلاف ذلك وإلا لكانت أيام السنة أيام حزن وأسى لأن ديننا لا يجدد الأحزان ففي كل يوم نفقد غاليا، مات خير الخلق نبي الهدى صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ يوم وفاته يوم حزن على مر العصور السابقة، وبعده أفضل أصحابه أبي بكر ـصديق هذه الأمةـ الذي قال فيه علي بن أبي طالب وهو يخطب الناس على منبر الكوفة: «إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر»، وقُتل عمر بن الخطاب ـفاروق هذه الأمةـ على يد المجوسي أبي لؤلؤة حقدا وغلا وغدرا وهو يصلي لله رب العالمين، ثم قُتل عثمان بن عفان زوج ابنتي رسولنا صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه بعد حصاره في بيته على يد الخوارجـ كلاب النارـ الذين قتلوا علي بن أبي طالبـ رضي الله عنهـ بعده ومات بعدهم الحسن السيد وهو السبط الأكبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن أصحابه أجمعين فلم التفريق؟! (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مًّنَ الدًّينً مَا لَمْ يَأْذَن بًهً اللَّهُ) [الشورىـ 21].