وجوب صلاة الجماعة 1
الشيخ عبدالرزاق العباد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
أيها المؤمنون عباد الله اتقوا الله تعالى، ثم اعلموا رحمكم الله أن من أفضل شعائر الإسلام ومزايا هذا الدين العظام صلاةَ الجماعة في المساجد مع المسلمين، وهي واجبة على الرجال في الحضر والسفر وفي حال الأمن وحال الخوف وجوبا عينيا، والدليل على ذلك الكتاب والسنة وعمل المسلمين قرنا بعد قرن، ومن أجل ذلك عباد الله عُمرت المساجد ورُتِّبت الأئمة والمؤذنون، وشرع لها النداء بأعلى صوت حي على الصلاة حي على الفلاح, وقال الله تعالى آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقيم صلاة الجماعة في حال الخوف ﴿وإذا كنت فيهم فأقمتَ لهم الصلاة فلتقم طائفةٌ منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سَجَدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفةٌ أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حِذْرَهُم وأسلحتهم﴾ النساء: ١٠٢,والأمر للنبي صلى الله عليه وسلم أمر لأمته ما لم يدل الدليل على خصوصيته به، فدلت هذه الآية الكريمة على وجوب صلاة الجماعة حيث لم يرخص للمسلمين بتركها في حال الخوف، فلو كانت غيرَ واجبة لكان أولى الأعذار لتركها عذر الخوف، فإن صلاة الجماعة في حال الخوف يترك فيها كثير من الواجبات في الصلاة، مما يدل على تأكد وجوبها، وقد اغتُفر في صلاة الخوف حركات كثيرة وتنقلات، وحمل أسلحة ومراقبة لتحركات العدو وانحراف عن القبلة، كل هذه الأمور اغتفرت من أجل الحصول على صلاة الجماعة، فهذا عباد الله من أعظم الأدلة على وجوبها وتأكدها .
عباد الله ومن الأدلة على وجوب صلاة الجماعة ما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو علموا ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق مع رجال معهم حزم من حطب إلى أقوام لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم",فقد وصف صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المتخلفين عن صلاة الجماعة بالنفاق، وهذا أيضا وصفهم في القرآن الكريم قال الله تعالى عن المنافقين: ﴿إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا +الى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا﴾ النساء: ١٤٢, وقال الله تعالى عنهم: ﴿ولا يأتون الصلاة إلاَّ وهم +الى ولا ينفقون إلاَّ وهم كارهون﴾ التوبة: ٥٤، ثم هدد صلى الله عليه وسلم المتخلفين عن صلاة الجماعة بأن يحرق عليهم بيوتهم بالنار، وهذه عقوبة شنيعة، فوصفهم بالنفاق أولا، وهددهم بالتحريق بالنار ثانيا مما يدل دلالة صريحة على عظم جريمة المتخلف عن صلاة الجماعة، وأنه مستحق لأعظم العقوبات في الدنيا والآخرة، وفي صحيح مسلم أنّ رجلا أعمى قال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأله أن يرخص له أن يصلي في بيته، فرخص له صلى الله عليه وسلم، فلما ولى دعاه فقال: "هل تسمع النداء",قال نعم، قال: "فأجب", فهذا رجل أعمى أبدى أعذارا كثيرة، ومع هذا لم يُسقط عنه صلى الله عليه وسلم حضور صلاة الجماعة, فما حال الذي يتخلف عنها من غير عذر وهو مجاور للمسجد، وأصوات المؤذنين تخترق بيته من كل جانب ، يدعى فلا يجيب ويؤمر فلا يمتثل ويعصي فلا يتوب، وقد ثبت في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سمع النداء",أي النداء إلى الصلاة"من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر" .
عباد الله لقد بلغ من اهتمام صدر هذه الأمة بصلاة الجماعة ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لقد رأيتنا", يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"وما يتخلف عنها", أي الصلاة" إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف",يعني إذا كان الرجل منهم لا يستطيع المشي لمرض أو كبر أخذوا بعضديه، وساعدوه على المشي حتى يقيموه في صف المسلمين للصلاة، فما بال الذي يتخلف عن الصلاة اليوم، وهو صحيح الجسم ليس به علة ولا عنده عذر .
عباد الله ومكان صلاة الجماعة هو المساجد التي ﴿أذِنَ الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه﴾ النور: ٣٦, يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "ومن تأمل السنة حقَّ التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجماعة، فترك حضور المساجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر، وبهذا تتفق الأحاديث وتجتمع الآثار " اهـ كلامه رحمه الله، وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية حرسها الله قولهم: "وأما فعلها جماعة فواجب وجوبا عينيا، والأصل في ذلك الكتاب والسنة ",ثم ذكروا حفظهم الله ورحم من مات منهم جملة من الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك، عباد الله وقد ورد في فضل الصلاة مع الجماعة أحاديث كثيرة لا يسع المقام لذكرها، منها ما رواه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج للمسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خُطوة إلا رفع له بها درجة وحُطّ عنه بها خطيئة"، وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات",قالوا بلى يا رسول الله، قال: " إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط".
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من غدا إلى المسجد أو راح أعدّ الله له نُزلاً في الجنة كلما غدا أو راح ".
فنسأل الله جلّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من المقيمين الصلاة، المحافظين عليها في جماعة المسلمين، وأن يهدينا جميعا إليه صراطا مستقيما، اللهم اهدنا إليك صراطا مستقيما, اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وثبتنا على الحق والهدى يا ذا الجلال والإكرام، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، واعلموا رحمكم الله أن مقام الصلاة عظيم، وقد نوه الله بشأنها في كتابه الكريم، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي الفارقة بين المسلم والكافر، وهي عمود الإسلام، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة.
عبادَ الله والشيطان أعاذنا الله وإياكم منه، يحرص كل الحرص على صرف المسلم عن هذه الصلاة، لعلمه بأن المسلم إذا انصرف عنها انصرف عن بقية أحكام الدِّين من باب أولى، فإنه لا دين لمن لا صلاة له، ولا حظَّ في الإسلام لمن ضيع الصلاة، كما قال صلى الله عليه وسلم: " آخر ما تفقدون من دينكم الصّلاة"، وإن الشيطان يأتي لصرف المسلم عن هذه الصلاة من طرق كثيرة، فإن تمكَّن من منعه منها بالكلية، فإنه يبذل لذلك كلّ ما أمكن، وإن لم يتمكن من منعه منها احتال عليه بمنعه من الصلاة مع الجماعة، ثم بمنعه من أدائها في وقتها، فإن لم يستطع منعَه عن الجماعة أغراه بالتكاسل والتأخر عن الحضور إلى المسجد حتى يُفَوِّتَه بعضها، ويحرمه فضيلة السبق إلى المسجد وحضور الصلاة من أولها، فاتقوا الله رعاكم الله وحافظوا على هذه الشعيرة العظيمة، وأدوا هذه الطاعة الجليلة في بيوت الله مع الجماعة، كما أمركم الله بذلك في كتابه، وكما أمركم بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته لعلّكم تفلحون .
عباد الله وقد ودعنا بالأمس واحداً من جماعة هذا المسجد المشهود لهم بالمحافظة على الصّلاة، ودعناه في خاتمة حسنة ونهاية طيبة، حيث ذهب بالأمس صائما إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، يحمل معه إفطارا له ولبعض إخوانه المسلمين على عادته، فصلى العصر فيه، وتناول إفطاره وصلى المغرب مع الجماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم توفاه الله عزّ وجل، وصلي عليه فجر هذا اليوم، فأكرم بها من خاتمة .
نسأل الله جلّ وعلا أن يغفر له، وأن يغفر لجميع موتى المسلمين، وأن يُلحقنا وإياكم بالصالحين من عباده, وصلُّوا وسلموا رعاكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾ الأحزاب: ٥٦، وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا", اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين, وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذلّ الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين, اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى, وأعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك وإتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم آت نفوسنا تقواها +ها أنت خير من +اها أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر, اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام, وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأموالنا وأزواجنا وذرياتنا وأوقاتنا، واجعلنا مباركين أينما كنا، اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك، معترفين لك بها مستعملين لها في طاعتك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين, وتب على التائبين، واكتب الصحة والعافية للحجاج والمعتمرين ولعموم المسلمين يا حي يا قيوم، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه, اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن توفقنا جميعا أن نتوب إليك توبة نصوحا، نتخلى فيها عن الذنوب ونقبل فيها على طاعتك والمحافظة على أمرك, يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، فإنك لا ترد عبدا ناداك ولا تخيِّب عبدا دعاك, اللهم اهدنا جميعا وأصلح قلوبنا ووفقنا للتوبة النصوح يا ذا الجلال والإكرام, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.