شرح حديث: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن))
الشيخ عبدالعزيز بن باز
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد[1]:
فقد بلغني أن بعض أئمة المساجد وفقهم الله في هذه الليالي يصلون التراويح أربعاً جميعاً بسلام واحد ثم أربعاً جميعاً بسلام واحد، وبلغني أن بعضهم يصلي الثمان جميعاً بسلام واحد.
ويعتقدون أن ذلك هو مراد عائشة رضي الله عنها حين قالت في الحديث الصحيح: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً)[2] الحديث، وهذا الفهم خلاف الصواب وخلاف السنة.
والصواب أن مرادها أنه يصلي أربعاً يسلم من كل اثنتين وإنما أرادت بذلك وصفهن بالحسن والطول لا أنهن بسلام واحد، والدليل على ذلك ما ثبت عنها في الصحيحين رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل عشر ركعات يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة)[3]، وأحاديثها يفسر بعضها بعضاً، ولا يجوز أن يفسر ما أجمل من حديثها بغير ما فسر منه.
ويدل على ذلك أيضاً ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلّى ركعة واحدة توتر له ما قد صلّى))[4]، فهذا الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم معناه الأمر.
والمعنى صلوا بالليل اثنتين اثنيتن.
فالمشروع للمؤمن والمؤمنة في صلاة الليل التقيد بما أوضحته السنة والحذر مما يخالف ذلك. ولا يخفى ما في السلام من كل اثنتين من التيسير والتسهيل على الجماعة وعدم المشقة عليهم مع موافقة السنة. لكن لو أراد الرجل أو المرأة الإتيان بثلاث جميعاً بسلام واحد وجلوس واحد أو خمس جميعاً بسلام واحد فلا بأس بذلك؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك في بعض الأحيان. وهكذا لو أوتر بسبع جميعاً بسلام واحد فلا بأس وإن أوتر بسبع وجلس في السادسة وأتى بالتشهد الأول ثم قام إلى السابعة فلا بأس لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل هذا وهذا. وهكذا لو أوتر بتسع جميعاً وجلس في الثامنة وأتى بالتشهد الأول ثم قام إلى التاسعة فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. ولكن الأفضل والأكمل أن يسلم من كل اثنتين كما تقدم.
ولا يجوز أن يوتر بثلاث كالمغرب حيث يجلس في الثانية وإن تشهد التشهد الأول ثم يقوم إلى الثالثة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يشبه الوتر بالمغرب. ولوجوب النصيحة وبيان السنة والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى جرى تحريره، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
[1] نشرت في 19/9/1414هـ.
[2] أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب قيام النبي بالليل برقم 1079، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الليل برقم 1219.
[3] أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1216.
[4] أخرجه مسلم في كتاب الجمعة، باب ما جاء في الوتر، برقم 936، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، برقم 1239.