أخرجوا ز كاة أموالكم تنالوا رضا ربكم
الشيخ عبدالرحمن العتيبي
الحمد لله الذي أعطى من شاء بفضله، ومنع من شاء بعدله، سبحانه وتعالى الحكيم ولا يظلم ربك أحداً، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى» [رواه مسلم].
فلا شك أن المال نعمة من الله ويحتاجه الإنسان ليوفر به أمور معاشه في الدنيا، وهذا المال أوجب الله فيه الزكاة، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة، قال تعالى (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأركعوا مع الراكعين) [البقرةـ 43]، وقال صلى الله عليه وسلم «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي ال+اة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا».
وإخراج الزكاة يكون كل سنة إذا بلغ المال النصاب المقدر شرعاً، سواء كان هذا المال من بهيمة الأنعام أو الذهب والفضة أو عروض التجارة أو أرصدة مالية، المهم هو الحرص على إخراجها تقرباً لله بأداء هذا الركن وطلبا للبركة في المال والعوض في الآخرة، ومن لم يبلغ ماله النصاب المقدر شرعاً فلا +اة عليه، وهذا من سماحة الإسلام، قال تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
وهي حق للفقير فرضه الله في مال الغني فلذلك تخرج من مال الصغير والمجنون.
الوعيد الشديد لمن لم يخرج ال+اة
توعد الله من لم يخرج +اة ماله بالعذاب الشديد في نار جهنم، قال تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ويوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) [التوبة: 34ـ35].
فمن لم يؤد +اة ماله فقد كنزه وسيصبح وبالاً عليه فيكوى به صاحبه، ويشمل ذلك معظم أجزاء الجسم كما في الآية الكريمة جزاءً لتركه أداء هذا الركن، نعوذ بالله من سخطه.
أسباب عدم إخراج ال+اة
[1] البخل: قال تعالى (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون) [التوبة: 75ـ76]، والبخل خلق ذميم يكدر على صاحبه حياته وينبغي البعد عنه.
[2] ضعف الإيمان: فإن قوة الإيمان تدفع إلى الإنفاق في سبيل الله وإخراج ما هو أكثر من ال+اة المفروضة حتى أن أبا بكر الصديقـ رضي الله عنهـ خرج من جميع ماله وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن لأبي بكر عليه فضل من ماله، وهذا عثمانـ رضي الله عنهـ يجهز جيش العسرة على نفقته.
[3] الخوف من المستقبل وخشية نقصان المال: وهذا ضد التفاؤل فالمستقبل بيد الله والذي أعطى الغني اليوم قادر على إغنائه في المستقبل، وأما الظن بنقصان المال بإخراج الزكاة فهذا فهم خاطئ، لأن ال+اة التي تؤخذ من المال قليلة بالنسبة لمجموع المال حتى أن صاحب الملايين لا يشعر أنه أثرت على ثرائه، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم «ما نقصت صدقة من مال» [رواه مسلم].
فلنبتعد عن هذه الأوهام عند إخراج ال+اة.
أهل ال+اة
بين الله تعالى أن صرف الزكاة يكون لثمانية أصناف فقط، قال تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) [التوبةـ 60]، فهذه الأصناف لا تصرف الزكاة لغيرهم فلا يجزئ دفع الزكاة لغني بل تدفع للفقير المحتاج المسكين، الذي حاله أفضل من الفقير ولكنه يحتاج إلى الزواج ولا يجد المال فيدفع إليه من الزكاة، وتعطى للمجاهدين في سبيل الله، ولباقي الأصناف الثمانية ولا تعطى لمن تجب عليه نفقتهم لأنه بذلك يتحايل لإسقاط النفقة الواجبة، فالزكاة لها أحكام لا يتسع المقام لذكرها، وعلى المزكي أن يسأل عنها حتى تحصل +اته على الوجه المشروع وأن يتحرى معرفة الفقير فإن باشر دفعها إليه وإلا أعطاها من يثق بدينه وأمانته لكي يتولى صرفها لأحد الأصناف الثمانية.
على مخرج ال+اة مراعاة ما يلي:
1ـ أن يخرج +اته قاصدا بذلك وجه الله متقربا إليه بتلك العبادة، فالله لا يقبل إلا ما كان خالصا له، لا طلباً للشهرة أو حتى يقال كريم.
2ـ أن يخرجها طيبة بها نفسه، فيشعر بأن المال لله وقد تفضل به عليه وهو سيذهب لمحتاج ربما يدعو له.
3ـ الحرص على دفعها للمستحقين لها.
4ـ ألا يمنّ بها.
فوائد إخراج ال+اة
1ـ سبب لزيادة المال وطرح البركة فيه، فالكل يدعو للم+ي بأن يبارك الله له في ماله، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: «من تصدق بعدل تمرة من +ب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها ثم يربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل» [متفق عليه].
2ـ تؤدى إلى حفظ المال من الآفات والتلف فقد يحترق المصنع أو تخسر التجارة وال+اة سبب لمنع ذلك بإذن الله وإن حصل فهو ابتلاء لرفع درجته وسيأتيه العوض بمشيئة الله.
3ـ تطهر الم+ين من الإثم ومن رذيلة البخل وتطهر المال مما يشوبه.
4ـ حماية المجتمع من الفساد وتقضي على السرقة وكثير من الجرائم الأخلاقية وتؤدي إلى الشعور بالإخوة بين المسلمين، غنيهم وفقيرهم وتساهم في منع الحسد وتجلب المحبة والألفة، وال+اة قبل هذا وبعده هي عبادة يقوم بها المسلم تقرباً لله وطلباً لرضاه والفوز بالجنة والنجاة من النار، وأداء لأحد أركان الإسلام، والمال سيُسأل عنه صاحبه من أين اكتسبه وفيما أنفقه، فلنعد لذلك السؤال جواباً، وللجواب صوابا، والأمر سهل على من يسره الله عليه وشرح صدره للخير وعرف حقيقة الدنيا وسرعة زوالها، وأنه مختبر فيها.
أسأل الله أن يبارك لجميع المسلمين فيما رزقهم ويتمم لهم بالصحة والعافية ويجعلهم من الشاكرين لنعمه المؤدين لما أوجب عليهم إنه سميع مجيب.