حكم دفع القيمة في ز كاة المال
الشيخ عبدالمحسن العبيكان
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .... أما بعد :
فقد شرعت ز كاة المال لسد فاقة الفقراء ولا يختلف ذلك باختلاف صور الأموال إذا حصلت القيمة وكما أن حاجة الفقير تكون في الطعام إلا أنها تكون أيضاً في اللباس والسكن والمركب وغير ذلك وما الحاجة في النقود إلا لشراء تلك الحاجيات فلا فرق بين إعطاء الفقير ما يحتاجه من الطعام أو ما يحتاجه من ال+وة أو نحو ذلك , فكل منها للفقير إليه حاجة كما أن الأموال الزكوية أنواع , ويخرج من كل نوع زكاته فتتعدد الأنواع لذا فالصحيح من أقوال أهل العلم جواز إخراج القيمة في الزكاة للمصلحة و الحاجة مثل من عنده عقار فيخرج بدل النقود ثياباً أو طعاماً مراعاة لمصلحة الفقير كما أن شيخ الإسـلام ابن تيمية يرى إخراج العرض من العروض فمن كانت عنده أرض للتجارة وأراد أن يخرج زكاتها منها بأن يعطي الفقير قطعة من هذه الأرض جاز له ذلك وإليك أيه القارئ الكريم ذكر أقوال أهل العلم في هذه المسألة قال في الشرح الكبير والمقنع والإنصاف ولا يجوز إخراج القيمة هذا المذهب مطلقاً أعني سواء كان ثم حاجة أم لا لمصلحة أو لا, وبه قال مالك والشافعي وقال الثوري وأبو حنيفة :يجوز وروي ذلك عن عمر بن عبدالعزيز والحسن وعن الإمام أحمد مثل قولهم في ماعدا زكاة الفطر فأما زكاة الفطر فقد نص على أنه لا يجوز ونقل عن الإمام أحمد في غير +اة الفطر جواز إخراج القيمة .
قال أبو داوود : وسئل أحمد عن رجل باع ثمرة نخله قال عشرة على الذي باعه , قيل له فيخرج تمراً أو ثمنه ؟ قال إن شاء أخرج تمراً وإن شاء أخرج من الثمن ووجه ذلك قول معاذ لأهل اليمن ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم فإنه أيسر عليكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة وروى سعيد بإسناده قال لما قدم معاذ إلى اليمن قال: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة ولأن المقصود دفع حاجة الفقراء ولا يختلف ذلك باختلاف صور الأموال إذا حصلت القيمة .
وعن أحمد :تجزئ القيمة للحاجة من تعذر الفرض ونحوه اختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية وجماعة وقيل: ولمصلحة أيضاً واختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية أيضاً وذكر بعضهم رواية عن الإمام أحمد تجزئ للحاجة . انتهى بتصرف ( المقنع والشرح الكبير والإنصاف ج6 ص 448-450 ) .
قال البخاري في صحيحه : وقال طاوس : قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن :ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة .
قال الحافظ في الفتح :قوله (باب العرض في ال+اة ) أي جواز أخذ العرض وهو بفتح المهملة وسكون الراء بعدها معجمه والمراد به ماعدا النقدين قال ابن رشيد : "وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم لكن قاده إلى ذلك الدليل "ا.هـ (فتح الباري ج3 ص 311-312).
وسئل شيخ الإســلام ابن تيمية عن من أخرج القيمة في ال+اة فإنه كثيراً ما يكون أنفع للفقير,هل هو جائز أم لا ؟
فأجاب: وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز وعند أبي حنيفة يجوز وأحمد رحمه الله قد منع القيمة في مواضع وجوزها في مواضع فمن أصحابه من أقر النص ومنهم من جعلها على روايتين والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه ولهذا قدر النبي صلى الله عليه وسلم الجبران بشاتين أو عشرين درهم ولم يعدل إلى القيمة ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقاً فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة وقد يقع في التقويم ضرر ولأن الزكاة مبناها على المواساة وهذا معتبر في قدر المال وجنسه, وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم فهنا أخراج عشر الدراهم يجزيه ولا يكلف أن يشتري ثمراً أو حنطة إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه وقد نص أحمد على جواز ذلك ومثل أن يجب عليه شاة في خمس من الإبل وليس عنده من يبيعه شاة فإخراج القيمة هنا كافٍ ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى ليشتري شاة ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه أعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها أو يرى الساعي أن أخذها أنفع للفقراء كما نقل عن معاذ بن جبل أنه كان يقول لأهل اليمن :ائتوني بخميص أو لبيس أسهل عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار وهذا قد قيل إنه قاله في ال+اة وقيل في الجزية .ا.هـ ( مجموع الفتاوى ج25 ص 82 -83).
وقال ابن تيمية :ويجوز إخراج زكاة العروض عرضاً ويقوى على قول من يقول تجب ال+اة في عين المال .ا.هـ ( الاختيارات ص132 ط السعيدية).
و صحح الشيخ محمد بن عبدالوهاب القول بجواز إخراج القيمة ولم يشترط الحاجة ولا المصلحة ومال ابنه الشيخ عبدالله إلى جواز إخراج القيمة عند الحاجة .(الدرر السنية ج5 ص232-236)
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي (والصحيح جواز زكاة العروض من العروض لأن الزكاة مواساة فلا يكلفها من غير ماله كما أن الصحيح جواز إخراج القيمة في ال+اة إذا كان في ذلك مصلحة للجهة المخرج عليها .ا.هـ(المختارات الجلية ج4 ص 132) والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
أملاه الفقير إلى عفو ربه المنان
عبد المحسن بن ناصر آل عبيكان