حمى كأس العالم
الشيخ/ محمد صالح المنجد
عناصر الخطبة:
1. الهدف من خلق الإنسان.
2. الترفيه والرياضة في الإسلام.
3. أثر الرياضة على حياة الناس.
4. نساء هولنديات يحاربن هوس كأس العالم.
5. للرياضة المعاصرة آثار سلبية على الصغار والكبار.
6. الوقت هو الحياة.
7. أرواح بريئة نزهق وأموال طائلة تنفق.
8. الرقيق الأبيض.
9. فرصة للدعوة إلى الله.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
الهدف من خلق الإنسان
خلق الله الخلق لعبادته وطاعته فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(سورة الذاريات:56)، خلقنا الله للحق الذي خلق به السماوات والأرض، خلقنا ليُعبد ويُوحَّد - سبحانه وتعالى -، وجعل هذه الدنيا دار اختبار وابتلاء، دار امتحان العبد في إيمانه، وامتحان العبد في سيرته وعمله {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}(سورة الملك:2) وجعل الله تعالى الحياة الحقيقية في الآخرة فقال تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(سورة العنكبوت:64).
الترفيه والرياضة في الإسلام:
عباد الله:
إن هذا الشرع العظيم قد جاء بالأمور التي تُصلح الناس، وتمنع ما يفسدهم، جاء بما يصلح الدين والبدن، فأعلن أن للبدن حقاً ((وإن لجسدك عليك حقاً))، وجاء بمدح القوة: في الإيمان، وفي القلب، وفي الجسد، وفي العلوم النافعة، وأمرنا تعالى بإعداد القوة لملاقاة أعدائه فقال تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}(سورة الأنفال:60) أي: أنواع القوى المادية والمعنوية.
والرياضة تقوِّي البدن، وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - أن الحركة هي عماد الرياضة؛ حيث تخلص الجسم من رواسب وفضلات الطعام بشكل طبيعي، وتعوِّد البدن الخفة والنشاط، وتجعله قابلاً للغذاء، وتقوي الأوتار والرباطات، وتؤمِّن من جميع الأمراض المادية، وأكثر الأمراض المزاجية إذا أستُعمِل القدر المعتدل منها في دقة، وكانت التدبير؛ يأتي صواباً.
وقال - رحمه الله -: كل عضو له رياضة خاصة يقوى بها، وأما ركوب الخيل، ورمي النشَّاب والصراع (أي المصارعة)، والمسابقة على الأقدام؛ فرياضة للبدن كله، وهي قالعة لأمراض مزمنة.
فهذه الرياضة إذاً وسيلة وليست غاية؛ لأن الغاية هي العبادة، أما الرياضة فإنها وسيلة، ومن جعل الغاية هي الرياضة، وصار يسعى لجسمه فقط كالرومان الذين يعبدون قوة الأجساد، وينتمي إليهم عدد من الذين يذهبون إلى صالات الحديد اليوم، فيكون همهم كله هو إبراز العضلات المفتولة، وأما القلب فخاوٍ، والأخلاق شبه معدومة.
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته
أقبل على النفس فاستكمل فضائلها
لتطلب الربح فيما فيه خسران
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
فلا بد إذن من رياضة القلب ورياضة البدن.
وهذه الأيام هي موسم كبير في العالم لانطلاق نوع من الرياضات بدأ قبل آلاف السنين، وانتشر من الصينيين، إلى الإغريق، إلى الرومان، إلى أوروبا، لكنهم ذكروا في التاريخ أنه قد تم منع ذلك في بريطانيا في أعوام 1314م، و1349م، و1447م بسبب أنها غطَّت على لعبة الفروسية المهمة، وألهت الشباب عن صلاة الأحد في الكنيسة! ولما كان لكنيستهم سلطان منعت لعبة القدم لهذا السبب لما لاحظوا آثارها، ثم انتشرت بعد ذلك انتشاراً عظيماً، وغطَّت أرجاء الكرة الأرضية بهذه الحمى التي تنتقل اليوم.
والمسلم يعلم جيداً أن قوة بدنه من مسؤوليته، وأن من وظيفته إعداد البدن، فهو يقوم بالرياضة لتقوية بدنه بأنواع الألعاب المباحة التي لا تلهي عن ذكر الله، وليس فيها إيذاء للآخرين أو إيذاء للنفس، وتعريض لها للتهلكة، فليس فيها كشف للعورات، وليس فيها مراهنات وقمار، وليس فيها ضرب على الوجه الذي هو مكرَّم، وكذلك ليس فيها تحريش بين البهائم ونحو ذلك من الضوابط الشرعية التي جاءت في النصوص المبيِّنة أيّ رياضة هي التي يمارسها المسلم؟ ومتى؟ ولماذا؟ يقول تعالى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}(سورة البقرة:247) فتلك من مقومات القيادة أيضاً.
عباد الله:
لقد جاء الشرع بالترفيه، وهذا الترفيه منضبط بالضوابط الشرعية:
- فهو لإجمام النفس لتعود إلى نشاطها في العبادة.
- وهو أيضاً لملاعبة الزوجة والولد، إذ الإلف بين الإنسان وأهله مطلوب، وقد سابق النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة، وحث على أنواع من الرياضات في الفروسية، والرمي، والسباحة.
إن القضية عندنا عبادة، فنحن نقوم بالرياضة عبادة لله فنؤجر عليها، ولا مانع أن يلعب المسلم أنواعاً من الكرة بالضوابط الشرعية، لكن عندما تخرج القضية عن الإطار الشرعي فإنها تصبح أمراً آخر لا بد أن يقف المسلم عنده متبصراً بمنظور الشرع.
الرياضة في العصر الحديث:
فلم تعد المسألة ترفيهاً بريئاً في كثير من الأحيان، وإنما أصبحت بمثابة الأكل والشرب عند الكثيرين، إنها دعوة لثلاثة أرباع سكان العالم للرؤية والمشاهدة، إنها ملايين الملايين المتعلقة بالأمر، إنهم يوقِّتون أنواعاً من الزواجات في هذا الموسم ليكون لباس العروسين قمصاناً تشجيعاً لهذه اللعبة، إنها التهاء كامل، وانغماس تام، وسُكْر، وأنواع من الهوس والحمى {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ}(سورة العنكبوت:64).
لقد خرجت القضية عند الكثيرين عن كونها أمراً جاداً يُتوصَّل به إلى طاعة الله، والإعانة على العبادة، وما أَمَرَ الله به؛ إلى أن صارت تُلهِي عن ذكر الله، وعن الصلاة، فلماذا إذن حرَّم الله الخمر والميسر؟ لأنها تنشر العداوة والبغضاء، وتصدُّ عن ذكر الله، وعن الصلاة.
وهكذا نرى في ممارسة عدد من الألعاب على مستوى الهوس العالمي أن فيها هذا الإلهاء عن ذكر الله، وعن الصلاة {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}(سورة الأنعام:29) هكذا هي عندهم، {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ}(سورة الأنعام:32).
إلا إنما الدنيا كأحلام نائم
تأمل إذا ما نلت بالأمس لذة
وما خير عيش لا يكون بدائم
فأفنيتها هل أنت إلا كحالم
لعب ولهو يشتهونه لكن لا عاقبة له، ولا فائدة له إلا الاغترار والالتهاء والسُّكْر
وإن حياتنا الدنيا غرور
نُسَرُّ بما نُسَاء به ونشقى
ونضحك آمنين ولو عقلنا
إلامَ يصدنا لعب ولهو
وتنذرنا المنون ونحن صمٌّ
وأيَّة لذة في دار دنيا
ستدركنا المنية حيث كنا
ظهرنا للوجود وكلُّ شيء
لئن ذهبت أوائلنا ذهاباً
وسعي بالتكلف واعتناء
ومن عجب نُسَرُّ بما نُساء
لـحُقَّ لنا التغابن والبكاء
عن العظة التي فيها ارعواء
إذا ما أسمع الصمَّ النداء
تلذ لنا وما فيها عناء
وهل ينجي من القدر النجاء
له بدء لعمرك وانتهاء
فأولنا وآخرنا سواء
لقد نجح أعداء البشرية في تعليق قلوب البشر بجلدة منفوخة؛ تطير قلوبهم بطيرانها، وتحطُّ معها إذا حطت.
إن هذا الالتهاء التام، وهذا الهوس؛ ليس أمر بريئاً؛ إذ لو كانت القضية ممارسة شيء يقوي البدن، أو شيء من التسلية بفرجة مباحة على أمر مباح؛ لكان شيئاً مباحاً، لكن القضية أكثر من هذا، إنه انغماس تام، إنه إلهاء كامل، ولذلك ذكر الله - عز وجل - صفة الدنيا في كتابه في عدد من الآيات، ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(سورة الأنعام:32) وقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}(سورة الحديد:20).
عباد الله:
إنها حمَّى تجتاح الكثير، صحفيون متأهبون، ومقاهي تتسلح بالشاشات العملاقة، شيشات تتعامد مع الشاشات، وأناس على أحر من الجمر، صحف، ومجلات، ومنتديات، ومواقع، ومقاهي، ومطاعم، وفنادق، وأشياء عملاقة: هل حجزت مقعدك، وتذاكر بأسعار عجيبة؟ وهكذا يتجمهرون؛ فعلى أي شيء يجتمعون، ولماذا يصيحون، ولماذا أيضاً يبكون؟
ألأجل هذا الالتهاء عن ذكر الله خُلقوا؟ {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ* أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ* أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}(سورة الأعراف:97-99).
عباد الله:
وعندما تُصبِحُ هذه الرياضة هي القضية الديدن، والشغل الشاغل للإنسان؛ فإنها لا تكون قضية بريئة، عندما تلهيه حتى عن مصالحه الدنيوية لا تكون قضية بريئة، عندما يكون فيها انتهاك لحرمة أمن المجتمع المسلم، وتعطيل للمرور، وتباطؤ في حركة السيارات، وظلم للناس الذين يذهبون في حاجاتهم، ونزول في عرض الشارع للرقص، وكذلك الإزعاج بالأصوات المحرمة، وتحطيم واجهات المحلات، وانتهاك الأعراض، وإنزال النساء من السيارات، وشغب في الملاعب، وأنواع من الاقتتال؛ إنها ليست قضية بريئة أبداً عندما تصل إلى هذه الدرجة.
أثر الرياضة على حياة الناس
إن القضية اليوم على مستوى العالم عجب عجاب، فالأسواق العالمية ستتأثر بسبب انشغال المستثمرين بالمباريات، ومن المحتمل خفض عدد العاملين في الدورات الصباحية عقب المباريات المسائية الهامة في حالة إصابة المتعاملين بآلام في الرأس، سوق العقارات في سنغافورة مهدد بالتهميش؛ لأن الأحداث ستنأى باهتمامات الناس عن هذا الأمر، وكذلك أنواع وأعداد الصفقات التي حصلت في الموسم الماضي كانت في شهر مايو مرتفعة، ونزلت في يونيه، ثم ارتفعت في الشهر الذي يليه، لماذا؟ لالتهاء الناس حتى عن مصالحهم الدنيوية.
وأما السحر والشعوذة وقيام سوق ذلك، وما يحدث للأندية من وجود هؤلاء الدنابشة الأوباش الذين يتعاملون مع الشياطين؛ فحدِّث ولا حرج، بل في ألمانيا تباع التعويذات بخمسة دبابيس وشعرات.
شعارات لأجل المنافسين، والانتصار عليهم، ووصلت القضية إلى أوراق التواليت في الحمامات، وشرائح من لحم الخنزير على شكل لاعب كرة، ورجال الأعمال يجدون فيها بيئة خصبة للتجارة، وكذا حقوق النقل التلفزيوني، واحتكار الإعلانات على القمصان، وتنزيل البضائع للنساء من الملبوسات، والحقائب، والأحذية، ودعايات وصفقات بالمليارات، وهكذا ينفق موقع ياهو صفقة بأربعين مليون دولار باستثناء تكاليف نقل اللقطات عبر الفيديو، وتدفع كل من ماكدونالد وكوكاكولا ثمانية وعشرين مليون دولار للمشاركة في أكبر حدث، وفي اللبس ستين مليون دولار، وهكذا تجني الفيفا قرابة بليونين من الدولارات!!
أموال تنفق من جيوب من؟ إلى جيوب من؟ وعلى حساب من؟ ولماذا؟
أبهذا أمر الله الخلق أن ينفقوا؟ ألهذا أمرهم - عز وجل - أن يبذلوا أموالهم؟ وفي ماذا؟
عباد الله:
شاشات عملاقة على المطاعم، ودعايات، ويقولون: "لا سبيل لتستفيد إلا بأن تجنَّ مع المجانين"، وحتى في المطارات الدولية وصالات الانتظار، وبرامج خاصة تنزل من أجل الجوال لتشاهد بها في كل مكان، وهم يسيرون، وهم ينتظرون، وهم في صالات الانتظار والعيادات، وفي كل مكان ليكون الناس غارقين في هذه القضية، فهل يقال: إن هذا براءة؟
ثم بعد ذلك نجد أنواعاً من التشبه بأولئك الكفرة الفجرة، أصباغ تؤثر من الناحية الطبية على الوجه والشعر، ووجوه عليها قترة من مشابهة للكفرة الفجرة، فهذا فحم أصفر، وهذا فحم أحمر، وهذا فحم أخضر، وأنواع من الأصباغ.
كذلك حلق للشعر بطريقة عجيبة، ورسم للخرائط، وأنواع من الوشم، وأجساد شبه متعرية، واختلاط النساء بالرجال، وما ستركز عليه الكاميرات في المدرجات وهكذا.
كيف ستمضي تلك الليلة في المنتديات، ومواقع الفيزا، أفي مشاهدة الشاشة، أم أنك ستتكلم مع صديق بشكل طبيعي، أم ستبقى متوتراً طيلة الليل، محبوس النَفَس تفكر؟ وبماذا ستفكر؟ هل أنت مهموم بما يحصل للإسلام والمسلمين من الأذى والضرر؟
هل فلسطين استُرِدَّت
هل جيوش الفتح عادت
هل مسحنا دمع حزن
هل حصون الظلم دُكَّت
أم صلاح الدين لبَّى
فأنبرى شخص وقال
أيها المسحور مهلاً
عاد للأقصى مقامه
في المثنى أو أسامة
عبر أجفان اليتامة
واقتحمناها اقتحامة
طُهْر آهات الأيامى
ليس يدري ما الشهامة
فاز بالدوري الكرامة
عباد الله:
لماذا خُلق البشر هؤلاء كلهم؟ وبأي شيء أُمِرُوا؟ يقول تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ* مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ* لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ}(سورة الأنبياء:1-3) هذه هي الحقيقة، لاهية قلوبهم، ملصقات، تجارات، أشياء عجيبة من ذوات الأرواح وغيرها، وأعلام عليها صلبان، وأشياء يحملها الأطفال وغيرهم، ثم يقولون: البطاقات مشفرة فما الحل؟ ما هذا الاحتكار؟ كيف نحصل على ثمنها؟ والذي ليس عنده ثمن البطاقة المشفرة ماذا سيفعل؟
تارة يقول: أبيع ملابسي، وآخر يفكر في بيع كليته كما أسفرت بذلك حواراتهم ومحادثاتهم في أنواع المنشورات والمنتديات.
ثم هذا الذي عوفي من اقتناء اللاقط المفسد صار الآن يفكر جدياً في إدخاله، والذي لم يكن قد أدخل حزمة مفسدة يفكر الآن في إدخالها أو أدخلها، وآخر يقول: هل أدخل، هل أشترك؟ هل أدفع معهم؟ هل أنا مشارك في الإثم؟ الناس في حيرة يقولون: أنترك أولادنا يذهبون إلى المقاهي، أم نشتري لهم في البيوت!!
والعجب العجاب - عباد الله - من تقليعات اللاعبين، وتعليق السلاسل، وهذه لهذا، وتلك لآخر، والمعجب بهذا يقلده، وفي الحديث: ((من تشبه بقوم فهو منهم))، والحلاقون قادمون إلى ألمانيا، وموقع الفيفا ينشر مقاعد للعميان وضعيفي النظر والمقعدين؛ يعني حتى أصحاب العاهات أشركوهم في هذا، فماذا سيشاهد العميان؟ قالوا: لقد أوصلنا لهم سماعات ليسمعوا التعليق، وهناك آخرون ينتظرون في الخارج في المطر بسبب الازدحام العجيب، واثنان وأربعون ألف مشجع ألباني لمتابعة المباريات التحضيرية، فيا له من هوس حقيقي لهذه الأعداد الهائلة.
والعدسات اللاصقة من شركة كونترا أوبتك حيث أنتجت عدسات على شكل كرة قدم في العين اليسرى، وأخرى تحمل ألوان علمهم، والنقش على السن والظفر، وخلفيات العباءات النسائية، وسعر الرسم على الأسنان تسعمائة، والعباءة النسائية ذات الخلفية الكروية بألفين، فأين نساؤنا، وإلى أين يسرن؟ وكيف ستسافر بعض النساء المسلمات؟ سيسافرن بلا محرم إلى أماكن الاختلاط والتشجيع هناك، فما الذي سيحدث؟ وما الذي يُنتظر من أخلاقيات الناس هناك؟
لما أدرك عقلاء القوم هذا عمدوا إلى إجراءات مشددة؛ حتى طلبت ألمانيا من بريطانيا أن تحضر مع مشجعيها قوات أمن خاصة من أجلهم، ولِكفِّ شرهم؛ لأنه معلوم ماذا سيفعل مشجعوهم؟
نساء هولنديات يحاربن هوس كأس العالم
وأعلنت جماعة نسائية هولندية أطلقت على نفسها "نساء من أجل هولندا خالية من كرة القدم" الحرب على كأس العالم لأنهن ضقن ذرعاً بهوس رجالهن بتلك الكرة، وقالت الجماعة النسائية في موقعها على الانترنت: "نعلن نحن جماعة النساء الثورة على هذه المناسبة للتخلص منها؛ لأننا مهددات، ولن نسكت بعد اليوم"، وقلن: "سئمنا من رجالنا حيث يتسمرون أمام الشاشات ويهملوننا، ويقولون لنا: أنتن فقط لتقديم المشروبات والشطائر لنا أثناء الفرجة"، إنهن يردن تشجيع النساء على تغيير عقلية رجالهن، وتعريفهم بأن الحياة ليست كرة فقط، ولذلك أيضاً دعت تلك الجماعة النسائية أعضاءها للسيطرة على أجهزة التحكم بالأجهزة.
وعلى أساس أن المرأة المشغول زوجها بالمتابعة هي في الحقيقة أرملة سمَّت جمعية نساء بريطانيات نفسها "جمعية أرامل كأس العالم"، ثم طالبت هذه الجمعية النسائية عبر مواقعهن بالتشويش على تعليقات المباريات احتجاجاً مع إنفاق المبالغ من بطاقات الائتمان للأزواج أثناء فترة المباريات بالإقامة في فنادق من ذات الخمس نجوم عقاباً للأزواج على هذا الإهمال، فيا عجباً إذناً من إحساس القوم.
للرياضة المعاصرة آثار سلبية على الصغار والكبار
عباد الله:
ماذا وقع في نفوس أطفالنا وأبنائنا من محبة غير المسلمين من أعداء الله، ومودتهم وتعظيمهم وتبجيلهم؟ وماذا فعلنا في هذا الإجرام الذي صار التعلق به إلى الغاية القصوى في نفوس أولادنا، ونحن مسؤولون عن أولادنا؟ ولو كان شيئاً يقوي أبدانهم لقلنا: قوموا ومارسوا هذه الرياضة، لكنه شيء يدخل في صلب العقيدة.
إن الولد يقوم برسم العلامة المثلثة للصليب على جبهته وصدره؛ لأنه رأى اللاعب عندما يحرز الهدف يفعل ذلك، وقد قام أولادنا كالمجانين يقلدون أولئك المجانين بعد إحراز الهدف بنفس الرقصة التي تخرج عن العقل، مع إبداء الحركات الغريبة الشاذة العجيبة، وخلع القمصان، وشبه التعري أمام الناس، وماذا أحرز؟ هل أحرز النصر المبين؟ أحرز مرضاة الله؟ أحرز جنة عرضها السماوات والأرض؟
يا عجباً لأولئك القوم، ويا عجباً لهؤلاء الصغار وهم يتفرجون، والكبار في سكرهم يعمهون
الناس تسهر عنده
وإذا دعا داعي الكفاح
غط الجميع بنومهم
مبهورة حتى الصباح
وقال حي الفلاح
فوز الفريق هو الفلاح
صارت أجل أمورنا
ما عاد يشغلنا سواها
عجباً لآلاف الشباب
دخل العدو بلادهم
وحياتنا هذا الزمن
في الخفاء وفي العلن
وإنهم أهل الشيم
وضجيجها زرع الصنم
أيسجل التاريخ أننا
شهدت سقوط بلادها
أمة مستهترة
وعيونها فوق الكرة
مآسي المسلمين في كل مكان، المذابح تقام، وسوق البطش والطغيان قائم الآن، فماذا فعلنا في نجدة إخواننا المسلمين، وبأي شيء التهى الناس عن ذلك؟
إن طقوس الصليبية قد قامت، وإن الدعاية لها قد حصلت، وهكذا رأى الناس في المونديال الماضي أن الفريق الفائز خلعوا قمصانهم الصفراء، وارتدوا قمصاناً بيضاء مكتوب عليها: "نحن ننتمي للمسيح، المسيح يحبكم".
إنها دعاية واضحة جداً لعقيدتهم الباطلة في غمرة تعلق الناس وفرحهم، وهكذا يرون أمامهم أن المفاهيم تضل، وأن المعايير تنت+.
إن الحال والله في هذا لا بد أن ينظر فيه كل مسلم بعين الشرع، وأن يقدِّم أحكام الدين على عواطفه وهواه.
وإن الصد عن ذكر الله من أجل متابعة هذه المباريات التي تتوالي في أربع وستين مباراة، هذا يشاهدها حية، ثم بعد ذلك يشاهد الأخرى التي لا يستطيع أن يفوتها أيضاً معادة، وربما أعاد هذه وهذه لساعات طويلة، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}(سورة المائدة:90-91)، وقال تعالى: {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ}(سورة الأنبياء:42)، وقال - عز وجل -: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ* الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}(سورة الأعراف:50-51).
سهر عظيم يكون وسيكون، ومعلوم أن توقيت كثيرٍ من هذه المباريات في ساعات متأخرة من الليل مما يستدعي سهراً، ثم ينامون عن صلاة الفجر، ويتأخرون عن أعمالهم ووظائفهم، والنبي - عليه الصلاة والسلام – قال: ((من صلى البردين دخل الجنة)) أي: الفجر والعصر، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله في ذمته من شيء فيدركه فيكبُّه في نار جهنم))[رواه مسلم].
وجاء في الموطأ أن عمر بن الخطاب فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح فغدا عمر إلى السوق - ومسكن سليمان بين السوق والمسجد النبوي - فمرَّ على الشفَّاء أم سليمان فقال لها: لم أرَ سليمان في الصبح؟ فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه (تعني قيام الليل)، فقال عمر: "لئن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إليَّ من أقوم ليلة"، فهذا سهِر في طاعة الله، فما بالنا عندما يكون السهر في غير ذلك، ولذلك منع العلماء من قيام الليل إذا كانت إطالته ستؤدي إلى تضييع صلاة الفجر؛ لأنه لا يمكن تضييع الواجب من أجل مستحب، ولذلك لا بد من تقديم طاعة الله - عز وجل -.
وبعضهم يقول: لقد سهرنا إلى الفجر فصلينا الفجر، والفضل للمباريات التي أبقتنا مستيقظين، وهذا من فوائدها!
يا عبد الله: ماذا فعلت في وقت السحر، وقت النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل؟ هل أنت رابح أم خاسر؟ هل أنت مغبون أم مغامر، ماذا كنت تفعل في هذا الوقت العظيم؟ {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً}(59-60) سورة مريم.
اللهم ردَّنا إليك رداً جميلاً، اللهم بصِّرنا بالحق، واجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا، اللهم إنا نسألك أن تعيننا على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، اللهم جنبنا أسباب سخطك، ووفقنا لما يرضيك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، أرحم الراحمين، أشهد أن لا إله إلا هو شديد العقاب، أشهد أن لا إله هو الحي القيّوم، أشهد أن لا إله إلا هو خلق السماوات والأرض بالحق، أشهد أن لا إله إلا الله يحكم ما يشاء ويفعل ما يشاء - سبحانه وتعالى -، وأشهد أن محمداً رسول الله الرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير، ما ترك خيراً إلا دلنا عليه، ولا شراً إلا حذرنا منه.
الوقت هو الحياة
عباد الله:
ماذا يضيع من الوقت؟ وماذا يضيع من العمر؟ وماذا يضيع الناس في العالم، ويهدرون من الأنفاس والأعمار والأوقات، إنهم يقدرون المشاهدين بأكثر من ملياري ونصف إنسان من سكان العالم، فإذا أنفق كل منهم ساعتين فهذه خمس مليارات من الساعات لمشاهدة مباراة واحدة، فإذا ضربت ذلك في نصف عدد المباريات - ثلاثين تقريباً - فماذا ستكون إنها مائة وخمسين ملياراً من الساعات، فإذا قسمتها على الأيام ثم على السنين ستجد أنها عشرات الآلاف من السنين، ثم إذا قسمتها على سبعين لتعرف في هذه المناسبة كم سيُعدم من الأعمار في المتوسط ستجد أنها إعدام لنحو من ثلاثمائة ألف عمر إنسان يبلغ السبعين؛ كأنه قد أتلف عمره من أوله.
الوقت هو الحياة ((اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك))، يا ابن آدم: إنما أنت أيام مجموعة إذا ذهب يومك ذهب بعضك، ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)).
ضياع الوقت دمار للعمر، ضياع الوقت آفة العصر، ضياع الوقت خسارة الدنيا وندامة الآخرة
الوقت أنفس ما عُنِيْتَ بحفظه
وأراه أسهل ما عليك يضيع
المفترض أن يقوم الشباب بعمارة بلدهم، وبناء قوتها، والإنتاج لمجتمعهم، والمفترض أن يكونوا في إعداد أنفسهم لأجل ملاقاة أي خطر يهدد هذه الأمة، وعلى الشباب والكبار والصغار في أمة الإسلام أن يعبدوا الله؛ لأنهم يخافون اليوم الآخر قال تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}(سورة الأنبياء:97)، ولذلك فإن عمل المسلم الذي يرجو الله واليوم الآخر يختلف عن عمل غيره.
أرواح بريئة تزهق وأموال طائلة تنفق
ألا ترى إلى أولئك القوم ماذا يفعلون لأنهم لا يرجون الله ولا اليوم الآخر؟
تذهب أرواح، وتقع خلافات ومشاجرات، وتسيل دماء، وتُطلَّق زوجات من أجل فوز أو خسارة في مثل هذه المباريات، فأين عقولهم؟
هجر الآباء والأزواج منازلهم، وأهملوا أسرهم، وارتكبوا العقوق بأنواعه؛ لأنهم أشبه بالسكارى الذين لا يدرون ما حولهم، فلا يلبون الواجبات المفروضة عليهم شرعاً.
إنه أمر عجب عندما يقع الناس صرعى وضحية لتأثير هذا الإعلام العالمي الذي يسبب الدخول في مثل هذه الأشياء، وهم يرون ما تؤدي إليه من أنواع الخسائر الاقتصادية، ففي عام 1985م قتل تسعة وثلاثون شخصاً، وأصيب ستمائة بجروح وكسور مختلفة إثر أحداث عنف نشبت في ملعب في برو+ل في قمة التنظيم الأوروبي بين مشجعي فريق إنجليزي وآخر إيطالي، وهكذا توجد أنواع الحوادث المشابهة، بل إن هنالك حرباً قد نشبت في عام 1969م بين هندوراس والسلفادور أطلق عليها حرب كرة القدم بسبب نزاع على نتيجة مباراة دولية بينهما استمرت الحرب سبعة أيام، وذهب فيها أكثر من ألفي قتيل!!
أعمال الشغب التي تنطلق في أنحاء من العالم بسبب اعتراض على نتيجة، ونتيجة التعصب للفرق؛ كل هذا يصيب بالجنون، وهكذا تقع إثارة المشاحنات والعداوة والبغضاء التي ذكرها الله في كتابه، وتقع الخصومات حتى بين الزملاء والإخوان بسبب هذا التشجيع المجنون، حتى قتل بعضهم زميله من أجل هذا حيث قام ثلاثة من المشجعين لفريق من الفرق بالتشجيع؛ فاعترض صبي عمره ثلاثة عشرة سنة يرتدي لباس الفريق الآخر، فقاموا بضربه فلما أراد أحدهم أن يدافع عنه؛ ضربوا صاحبهم حتى مات!
والمضحك المبكي هو عندما نرى مثل هذه الأحداث من هؤلاء، ونتذكر لماذا خُلق الناس؟ وماذا يفعلون في المقابل؟ لتجد أن العلاقة وطيدة بين حيز الفراغ الموجود في كرة القدم حين تتقاذفها الأرجل، وبين فراغ الأدمغة التي تتابع ذلك في أنواع من الجنون والتعصب.
عجيب أمر هؤلاء حيث صار هذا الأذى وهذه المقتلة مما أدى إلى أن يُحرِّم بعض أهل العقل الكرة بسببه فقال العلامة العربي ابن عبد الله بن أبي يحيى المساري في منظومته سراج العلوم:
ولعب الكرة ليس مذهبي
يدنس المروءة الحصينة
فما رأيت فيها شيئاً يحمد
إذ فيه للقتال أقوى سبب
ويطرد الوقار والسكينة
فترك فعله لديَّ أحمد
قال ذلك لما رأى من الاقتتال بسببها، وما فيها من إسراف عجيب في الأموال؛ حيث تنفق إنفاقات ضخمة وهائلة، وقد قال - عز وجل -: {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(سورة الأعراف:31)، وقال - عز وجل - مهدداً: {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(سورة يونس:12) وبعد ذلك تسأل عن أسعار أقدام اللاعبين.
أَمضَى الجسور إلى العلا
تحتل صدر حياتنا
وهي الطريق لمن يريد
أرأيت أشهر عندنا
أهم أشد توهجاً
بزماننا كرة القدم
وحديثها في كل فم
خميلة فوق القمم
من لاعبي كرة القدم
أم نار برق في علم
عشرات الملايين تُدفع في شراء اللاعبين، وعشرات الملايين تنفق هنا وهنا من هؤلاء المشجعين المجانين، وقد صدرت فتاوى لأهل العلم تحرِّم فعل التجار الذين يدفعون أموالاً في هذا.
وأما التهافت على شراء التذاكر فعجب؟
تتساءل: هؤلاء البشر على أي شيء يتنافسون؟ وعلى أي شيء يقتتلون؟
لقد أعلنت اللجنة المنظمة لهذا الكأس أنه تم طلب شراء نصف مليون تذكرة تقريباً عبر شبكة الانترنت خلال ستَّ عشرة ساعة من طرحها، وستقام المباريات في اثني عشر ملعباً تتسع لثلاثة ملايين وثلاثمائة وسبعين ألف مشاهد خلال مباريات البطولة الأربعة والستين، وهناك أربعمائة وأربعين ألف مقعد محجوزة للضيوف ووسائل الإعلام، وهذه التذاكر التي تباع الآن في مزادات في السوق السوداء - كما يقولون - فقد كانت سعر التذكرة من مائة يورو إلى ستمائة، والآن بالآلاف؛ لأن التذاكر نفذت، ووصلت أسعارها إلى أرقام عجيبة، والطلبات التي جاءت تجاوزت عشرة أضعاف البطاقات المتوفرة يعني حوالي ثلاثين مليون طلب للبطاقات كما أفاد موقع فيفا، وورد كوب دوت كوم.
إن المسألة اليوم في تهافت هؤلاء على هذا الأمر، لماذا؟ ألا يفكرون ويعتبرون؟ ولأي شيء كل هذا الجري وهذا اللهاث؟ إن المسألة هي مراهنات، ومرتع خصب للميسر والقمار؛ إذ مجموع الأموال التي دفعت في يانصيب وقمار كأس العالم الماضي أكثر من نصف بليون دولار، وهذه السنة ستتضاعف، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: ((من قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق)) هذا لمجرد أنه قال ولم يفعل، فكيف وقد وصل الأمر إلى قيام سوق قمار؟
قال ابن القيم - رحمه الله -: إذا تأملت هذه المغالبات (أي المراهنات التي تتم الآن) رأيتها في ذلك كالخمر، قليلها يدعو إلى كثيرها، وكثيرها يصد عما يحبه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويوقع فيما يبغضه الله ورسوله، فلو لم يكن في تحريمها نص لكانت أصول الشريعة وقواعدها وما اشتملت عليه من الحكم والمصالح توجب تحريم ذلك.
الرقيق الأبيض
كيف سيكون حال هؤلاء المسلمين الذين يقعون ضحية تجارة الرقيق الأبيض الموجود هناك، فقد تم دخول أربعمائة ألف بائعة حرام إلى ذلك المكان، والباقي في الطريق، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}(سورة الإسراء:32) وقال - عز وجل -: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}(سورة المؤمنون:5) فتجار ما يسمى بالجنس يقتنصون الفرصة في هذا الموسم لتسويق القاذورات والنجاسات من أجل ال+ب، وهؤلاء سفراء الوباء يقعون في أنواع الأمراض، ويعودون بالوبال على بلادهم وأمتهم، وينقلون الأمراض، فأي وطنية عند هؤلاء؟ وأي حرص على مصلحة عندهم؟
لقد جاءت التقارير بأن نحواً من ستين مليون مصاب بالإيدز يُقتَلون تباعاً، وكذلك الأمراض الأخرى الخطيرة الفتاكة التي يعاقب الله بها العصاة.
فرصة للدعوة إلى الله
عباد الله:
إن واجب الإنسان المسلم أن يكون مسلماً في كل وقت، فإذا كان أولئك القوم ينتهزون المناسبة والفرصة للدعوة إلى باطلهم، وأديانهم المحرفة؛ فإنه لا بد لأهل الإسلام أن يستثمروا ذلك، وبالذات المسلمون الذين يعيشون في أوروبا.
إن عليهم واجباً في دعوة الناس إلى الإسلام، وتبيين حقيقة النبي - عليه الصلاة والسلام - وخصوصاً أن القضية قد ثارت عند القوم، وهم يسألون ما هو الإسلام، ومن هو محمد - صلى الله عليه وسلم -؟
والمفترض في المسلمين أن يكون عندهم خطة دعوية كبرى - ما دام أولئك القوم قد اجتمعوا -، وأن يكون في دعاة المسلمين من يجوب تلك البلاد بين أولئك القوم داعياً إلى الله - عز وجل -، ومبيناً لحقيقة هذا الدين، وقد كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يغشى أندية الكفار ليدعوهم إلى الله - عز وجل -.
والمؤسسات الدعوية الإسلامية مطالبة أيضاً أن يكون لديها من الدعاة الذين عندهم عقل يدفعون به الشهوات، وعلم يدفعون به الشبهات، وأن يكون لديهم مساهمات في إقامة أمكنة يوزع من خلالها ما يقرأ ويسمع، وشعارات، وحملات منظمة لاكتشاف الإسلام من قبل أولئك القوم ما داموا مجتمعين - وقد اجتمعوا - فلا بد إذاً من توجيه الدعوة إليهم، وهذه فرصة كبيرة، وليس معنى هذا أن يذهب اللاهي العابث لأجل هذا، أو أن يذهب الذي يريد تضييع الوقت، وركوب المحرمات في بلاد غير المسلمين، وإنما المقصود أن يقوم لذلك متخصصين في الدعوة إلى الله ممن قد درسوا الأساليب المؤثرة، وأنواع الدعايات الإعلامية والإعلانية، واللغات المختلفة، والأساليب الناجعة؛ للتأثير على أولئك القوم؛ لأن ديننا عالمي، وينبغي أن يكون كذلك قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }(سورة الأنبياء:107).
اللهم إنا نسألك أن تعز دينك يا رب العالمين، اللهم أظهر الإسلام وأهله على الشرك والمشركين، اللهم انصر من نصر الدين، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم انصر في سبيلك المجاهدين، اللهم اعلِ راية الدين، اللهم إنا نسألك أن تعز دينك يا رب العالمين، وأن تنصر هذا الإسلام يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا من ح+ك المفلحين، ومن جنود دينك إنك على كل شيء قدير.
اللهم اجعلنا من الذين يقولون بالحق وبه يعدلون، اللهم اجعلنا ممن أردت بهم خيراً، واجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر يا ربنا، يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تجعل أوقاتنا عامرة بذكرك، مستجيبين لشرعك، عاملين بسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعل بلادنا آمنة مطمئنة، اللهم من أراد ببلادنا وبلاد المسلمين شراً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم اجعلنا آمنين بالشرع المبين، اللهم اجعلنا على الإسلام ثابتين، وعلى الإيمان حتى نلقاك يا رب العالمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل المسلمين، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأرشد الأئمة وولاة الأمور، اللهم إنا نسألك المغفرة يا عزيز يا غفور، اللهم ارزقنا الجنة وأعذنا من النار، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، اللهم نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، ونسألك قول الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر.
اللهم إنا نسألك الإخلاص في الغيب والشهادة، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين، اللهم ارزقنا رحمة تلمَّ بها شعثنا، وتقضي بها ديوننا، وتغفر بها ذنوبنا، وتستر بها عيوبنا، وتشفي بها مرضانا، وترحم بها موتانا، وتهدي بها ضالنا يا رب العالمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(سورة النحل:90)، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.