أشراط الساعة في السنة النبوية
الحمد لله الذي تفرد بعلم الغيب، ولا يعلم قيام الساعة إلا هو، أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، استوى عنده علم الغيب والشهادة، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عباد الله! اتقوا الله عز وجل، وتوبوا إليه توبة نصوحاً، قبل أن يحال بينكم وبين التوبة، وقبل أن تفجأكم القيامة بغتة وأنتم لا تشعرون، فإنه من مات قامت قيامته، فإنكم لا تدرون متى تقوم الساعة.
وللساعة أشراط وعلامات، قد أظهر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على كثير منها، فيما أوحاه إليه من الكتاب والسنة، وليس يعلم صلى الله عليه وسلم إلا ما أوحاه إليه ربه، فمن ذلك ما في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا تقوم الساعة حتى تقتل فئتان عظيمتان، تكون بينهما مقتلة عظيمة دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين؛ كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج -وهو القتل- وحتى يكثر فيكم المال، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبض الصدقة، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعين فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو +بت في إيمانها خيراً، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لفحته فلا يطعمه ولا يشربه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فمه فلا يطعمها }.
اقتتال الفئتين وبعث الدجالين
عباد الله! بهذا الحديث أخبر نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم عن اثني عشر أمراً تكون قبل قيام الساعة، أخبر أنه لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعوتهما واحدة، وفسر العلماء ذلك بما وقع في زمن علي ومعاوية رضي الله عنهما، حيث كان كل من الفئتين يدعو إلى ما يرى أنه الحق، فقتل منهم نحو سبعين ألفاً على ما قيل.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون، يزعم كل منهم أنه نبي، وقد ظهر كثير منهم، ولا رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] هكذا يقول رب العالمين.
قبض العلم وكثرة الزلازل
وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، والمراد به العلم الشرعي؛ علم الكتاب وعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكيفية قبض العلم:
أن يقبض العلماء كما ورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا }.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلال، والزلازل نوعان:
النوع الأول: زلازل حسية، تهز الأرض فتدمر القرى والمساكن، وزلازل معنوية تزلزل الإيمان والعقيدة والأخلاق والسلوك حتى يضطرب الناس في عقائدهم وأخلاقهم وسلوكهم، فيعود الحليم العاقل حيراناً، والحديث محتمل لكل منهما.
تقارب الزمان وكثرة الفتن والقتل والمال
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فيقرب أوله من آخره، وذلك بكثرة الغفلة وفشل الأعمال والأوقات، حتى يمضي الزمن الكثير والإنسان ما صنع إلا شيئاً قليلاً، أو أن معناه سرعة إنجاز الأمور التي لا تنجز إلا بزمن كثير كما يشاهد اليوم في وسائل النقل ووسائل الإعلام، فكم من بلد كانت لا يوصل لها إلا بعد أشهر والآن يوصل إليها في ساعات قليلة، فصلوات الله وسلامه على من لا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.
أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، فتن الدين والدنيا، أما فتن الدين فكل ما يصد عن الإيمان بالله، والقيام بأوامره واتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، من العقائد الفاسدة، والأفكار الهدامة، والسلوك المنحرف، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة بالاشتغال بالشهوات واللذائذ المحرمة؛ من آلات اللهو ومن الأغاني والتمثيليات والأفلام الخليعة التي أفسدت الأخلاق وصدت العباد عن طاعة الله.
وأما فتن الدنيا، فما يحصل من القتل والخوف والسلب والنهب.
وظهور الفتن يا أمة الإسلام دليل على ضعف العلم الصحيح والإيمان الخالص، وعدم الولاية العادلة.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يكثر القتل، سواءٌ كان ذلك بالحروب أو بالاغتيالات، وقد جرى ذلك.
وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يكثر المال، وقد كثرت الأموال وسوف تزداد حتى يهم الرجل من يقبض صدقته، وحتى يعرض المال على الرجل هبة أو صدقة؛ فيقول: لا حاجة لي به.
التطاول في البنيان وتمني الموت
وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان، سواءٌ كان التطاول بجمال البنيان وتشييده والاعتناء به، أو بارتفاعه، كل ذلك من التطاول، وهو دليل على اشتغال الناس في أحوال دنياهم دون أحوال دينهم؛ لأن التطاول في البنيان يشغل القلب والبدن، فيلهو به الإنسان عن مصالح دينه.
أمة الإسلام! وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه، وذلك لما يرى من الأمور العظام التي يفضل الموت عليها؛ من عظيم البلاء ورئاسة الجهلاء وخمول العلماء، واستيلاء الباطل في الأحكام، وعموم الظلم واستغلال الحرام.
طلوع الشمس من مغربها وقيام الساعة
وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، ويختل نظام سيرها، فحينئذٍ يعلم الناس أنها تسير بتقدير الله وأمره؛ فيؤمنون ولكن لا إيمان ينفع في تلك اللحظة، إلا من كان مؤمناً من قبل أو كاسباً في إيمانه خيراً.
ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أن الساعة تقوم بغتة، وضرب لذلك أربعة أمثال: تقوم والرجلان بينهما ثوب قد فلاه، يتبايعانه فلا يمكنهما البيع ولا طي الثوب إلا والساعة قائمة تفزعهم.
تقوم الساعة والرجل قد انصرف بلبن ناقته ليشربه، فلا يتمكن من شربه.
تقوم الساعة والرجل يصلح حوض إبله ليسقيها فلا يسقي فيه تبغته الساعة.
تقوم الساعة وقد رفع اللقمة إلى فمه فلا يطعمها. هكذا يخبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه.
فيا عباد الله! أمة الإسلام! بادروا بالتوبة إلى الله، بادروا بالأعمال الصالحات، آمنوا بالله ورسله وأعدوا ليوم القيامة عدته قبل أن يفجعكم ذلك يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:18-19]
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.