...وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ تَشْبِيه الشَّيْء بِالشَّيْءِ لَا يَلْزَم أَنْ يَكُون نَظِيره مِنْ جَمِيع وُجُوهه , فَإِنَّ الْمُؤْمِن لَا يُمَاثِلهُ شَيْء مِنْ الْجَمَادَات وَلَا يُعَادِلهُ . وَفِيهِ تَوْقِير الْكَبِير , وَتَقْدِيم الصَّغِير أَبَاهُ فِي الْقَوْل , وَأَنَّهُ لَا يُبَادِرهُ بِمَا فَهِمَهُ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ الصَّوَاب . وَفِيهِ أَنَّ الْعَالِم الْكَبِير قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ بَعْض مَا يُدْرِكهُ مَنْ هُوَ دُونه ; لِأَنَّ الْعِلْم مَوَاهِب , وَاَللَّه يُؤْتِي فَضْله مَنْ يَشَاء . وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِك عَلَى أَنَّ الْخَوَاطِر الَّتِي تَقَع فِي الْقَلْب مِنْ مَحَبَّة الثَّنَاء عَلَى أَعْمَال الْخَيْر لَا يَقْدَح فِيهَا إِذَا كَانَ أَصْلهَا لِلَّهِ , وَذَلِكَ مُسْتَفَاد مِنْ تَمَنِّي عُمَر الْمَذْكُور , وَوَجْه تَمَنِّي عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مَا طُبِعَ الْإِنْسَان عَلَيْهِ مِنْ مَحَبَّة الْخَيْر لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ , وَلِتَظْهَر فَضِيلَة الْوَلَد فِي الْفَهْم مِنْ صِغَره , وَلِيَزْدَادَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُظْوَة , وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرْجُو أَنْ يَدْعُو لَهُ إِذْ ذَاكَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْفَهْم . وَفِيهِ الْإِشَارَة إِلَى حَقَارَة الدُّنْيَا فِي عَيْن عُمَر لِأَنَّهُ قَابَلَ فَهْم اِبْنه لِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَة بِحُمْرِ النَّعَم مَعَ عِظَم مِقْدَارهَا وَغَلَاء ثَمَنهَا .
( فَائِدَة ) :
قَالَ الْبَزَّار فِي مُسْنَده : وَلَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا السِّيَاق إِلَّا اِبْن عُمَر وَحْده , وَلَمَّا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ قَالَ : وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيث مُخْتَصَر لِأَبِي هُرَيْرَة أَوْرَدَهُ عَبْد بْن حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيره لَفْظه : " مِثْل الْمُؤْمِن مِثْل النَّخْلَة " , وَعِنْد التِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَالنَّسَائِيِّ وَابْن حِبَّان مِنْ حَدِيث أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ : ( وَمَثَل كَلِمَة طَيِّبَة كَشَجَرَةٍ طَيِّبَة ) قَالَ : " هِيَ النَّخْلَة " تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ حَمَّاد بْن سَلَمَة , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَة مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ كَانَ عَاشِر عَشَرَة , فَاسْتَفَدْنَا مِنْ مَجْمُوع مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ مِنْهُمْ أَبَا بَكْر وَعُمَر وَابْن عُمَر , وَأَبَا هُرَيْرَة وَأَنَس بْن مَالِك إِنْ كَانَا سَمِعَا مَا رَوَيَاهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيث فِي ذَلِكَ الْمَجْلِس . وَاَللَّه أَعْلَم .