حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ح و حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْله : ( فُلَيْح )
بِصِيغَةِ التَّصْغِير هُوَ اِبْن سُلَيْمَان أَبُو يَحْيَى الْمَدَنِيّ , مِنْ طَبَقَة مَالِك وَهُوَ صَدُوق , تَكَلَّمَ بَعْض الْأَئِمَّة فِي حِفْظه , وَلَمْ يُخَرِّج الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيثه فِي الْأَحْكَام إِلَّا مَا تُوبِعَ عَلَيْهِ , وَأَخْرَجَ لَهُ فِي الْمَوَاعِظ وَالْآدَاب وَمَا شَاكَلَهَا طَائِفَة مِنْ أَفْرَاده وَهَذَا مِنْهَا . وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ عَالِيًا عَنْ فُلَيْح بِوَاسِطَةِ مُحَمَّد بْن سِنَان فَقَطْ ثُمَّ أَوْرَدَهُ نَازِلًا بِوَاسِطَةِ مُحَمَّد بْن فُلَيْح وَإِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذِر عَنْ مُحَمَّد لِأَنَّهُ أَوْرَدَهُ فِي كِتَاب الرِّقَاق عَنْ مُحَمَّد بْن سِنَان فَقَطْ , فَأَرَادَ أَنْ يُعِيد هُنَا طَرِيقًا أُخْرَى , وَلِأَجْلِ نُزُولهَا قَرَنَهَا بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى . وَهِلَال بْن عَلِيّ يُقَال لَهُ هِلَال بْن أَبِي مَيْمُونَة وَهِلَال بْن أَبِي هِلَال , فَقَدْ يُظَنّ ثَلَاثَة وَهُوَ وَاحِد , وَهُوَ مِنْ صِغَار التَّابِعِينَ , وَشَيْخه فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَوْسَاطهمْ .
قَوْله : ( يُحَدِّث )
هُوَ خَبَر الْمُبْتَدَأ وَحُذِفَ مَفْعُوله الثَّانِي لِدَلَالَةِ السِّيَاق عَلَيْهِ . وَالْقَوْم الرِّجَال . وَقَدْ يَدْخُل فِيهِ النِّسَاء تَبَعًا .
قَوْله : ( جَاءَ أَعْرَابِيّ )
لَمْ أَقِف عَلَى تَسْمِيَته .
قَوْله : ( فَمَضَى )
أَيْ : اِسْتَمَرَّ يُحَدِّثهُ , كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِيّ وَالْحَمَوِيّ بِزِيَادَةِ هَاء , وَلَيْسَتْ فِي رِوَايَة الْبَاقِينَ , وَإِنْ ثَبَتَتْ فَالْمَعْنَى يُحَدِّث الْقَوْم الْحَدِيث الَّذِي كَانَ فِيهِ وَلَيْسَ الضَّمِير عَائِدًا عَلَى الْأَعْرَابِيّ .
قَوْله : ( فَقَالَ بَعْض الْقَوْم سَمِعَ مَا قَالَ )
إِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ التَّرَدُّد فِي ذَلِكَ لِمَا ظَهَرَ مِنْ عَدَم اِلْتِفَات النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سُؤَاله وَإِصْغَائِهِ نَحْوه ; وَلِكَوْنِهِ كَانَ يَكْرَه السُّؤَال عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة بِخُصُوصِهَا , وَقَدْ تَبَيَّنَ عَدَم اِنْحِصَار تَرْك الْجَوَاب فِي الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ , بَلْ اِحْتَمَلَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنْ يَكُون أَخَّرَهُ لِيُكْمِل الْحَدِيث الَّذِي هُوَ فِيهِ , أَوْ أَخَّرَ جَوَابه لِيُوحِيَ إِلَيْهِ بِهِ .
قَوْله : ( قَالَ أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِل )
بِالرَّفْعِ عَلَى الْحِكَايَة , وَأُرَاهُ بِالضَّمِّ أَيْ : أَظُنّهُ , وَالشَّكّ مِنْ مُحَمَّد بْن فُلَيْح . وَرَوَاهُ الْحَسَن بْن سُفْيَان وَغَيْره عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ يُونُس بْن مُحَمَّد عَنْ فُلَيْح وَلَفْظه " أَيْنَ السَّائِل " وَلَمْ يَشُكّ .
قَوْله : ( إِذَا وُسِّدَ )
أَيْ : أُسْنِدَ , وَأَصْله مِنْ الْوِسَادَة , وَكَانَ مِنْ شَأْن الْأَمِير عِنْدهمْ إِذَا جَلَسَ أَنْ تُثْنَى تَحْته وِسَادَة , فَقَوْله وُسِّدَ أَيْ : جُعِلَ لَهُ غَيْر أَهْله وِسَادًا , فَتَكُون إِلَى بِمَعْنَى اللَّام وَأَتَى بِهَا لِيَدُلّ عَلَى تَضْمِين مَعْنَى أُسْنِدَ . وَلَفْظ مُحَمَّد بْن سِنَان فِي الرِّقَاق " إِذَا أُسْنِدَ " وَكَذَا رَوَاهُ يُونُس بْن مُحَمَّد وَغَيْره عَنْ فُلَيْح . وَمُنَاسَبَة هَذَا الْمَتْن لِكِتَابِ الْعِلْم أَنَّ إِسْنَاد الْأَمْر إِلَى غَيْر أَهْله إِنَّمَا يَكُون عِنْد غَلَبَة الْجَهْل وَرَفْع الْعِلْم , وَذَلِكَ مِنْ جُمْلَة الْأَشْرَاط وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلْم مَا دَامَ قَائِمًا فَفِي الْأَمْر فُسْحَة . وَكَأَنَّ الْمُصَنِّف أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْعِلْم إِنَّمَا يُؤْخَذ عَنْ الْأَكَابِر , تَلْمِيحًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَيَّة الْجُمَحِيِّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مِنْ أَشْرَاط السَّاعَة أَنْ يُلْتَمَس الْعِلْم عِنْد الْأَصَاغِر " وَسَيَأْتِي بَقِيَّة الْكَلَام عَلَى هَذَا الْحَدِيث فِي الرِّقَاق إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .