molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: قصة موسى (3) الرسالة: والتغيير - عبد الله بن إبراهيم الكيلاني / عمّان الثلاثاء 24 يوليو - 10:42:19 | |
|
قصة موسى (3) الرسالة: والتغيير
عبد الله بن إبراهيم الكيلاني / عمّان
الخطبة الأولى إن تغيير سلوك الأفراد والمجتمعات كان محور بحث علماء الاجتماع، فمنهم من رأى أن المسؤول عن السلوك هو المؤسسات كالبيت والدولة المصنع، وتمثل ذلك بالفكر المادي الذي جعل الاقتصاد والسوق صانع الأفكار والسلوك. ومن جهة أخرى فهناك اتجاه قائم على استقراء الوقائع التاريخية، وهو يرى أن الفكر هو صانع السلوك. وفي قصة موسى عليه السلام مع فرعون نجد صراع الفكرة مع مؤسسة الدولة بكل طغيانها، وهي تحمل الإجابة عن التساؤل الفلسفي: من يصنع الآخر؟ ومن يوجه السلوك، الفكر أم المادة؟ ولننظر إلى الأحداث قبيل لحظات من اللقاء الذي سيعقبه التغيير. سار موسى عليه السلام بأهله، وءانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً [القصص:28]، فتوجه نحوها وهدفه رعاية أسرته الصغيرة: فلعله يجد عند النار من يدله على الطريق الأيسر أو يأخذ من النار شعلة ليدفئ بها أهله في ليل الصحراء. فلما أتى النار فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِىَ يٰمُوسَىٰ إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى [طه:11-13]. وكان اللقاء بين موسى وربه، حمِّل موسى بعدها عدداً من المهام العظام: وتحول من طالب نار إلى حامل نور. اختصرت الآيات مهام موسى عليه السلام: إِنَّنِى أَنَا ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِى إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ [طه:14-16]. والمهمة الأخرى كما في سورة أخرى: ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبّكَ فَتَخْشَىٰ [طه:17-19]. والمهمة الثالثة: إِنَّا رَسُولُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ [الشعراء:16، 17]. وزود موسى بالزاد الذي يمكنه من مواجهة الطاغية: إِنَّنِى أَنَا ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِى [طه:14]، ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـئَايَـٰتِى وَلاَ تَنِيَا فِى ذِكْرِى [طه:42] لقد زود بالحجة والبرهان، وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَـٰناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِـايَـٰتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَـٰلِبُونَ [القصص:35]. وتعرض سورة (طه) بعض التفصيلات مثل وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِى [طه:39]، في قوله سبحانه وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمّكَ مَا يُوحَىٰ أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِى ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِى ٱلْيَمّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لّى وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مّنّى وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِى إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَـٰكَ إِلَىٰ أُمّكَ كَى تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَـٰكَ مِنَ ٱلْغَمّ وَفَتَنَّـٰكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى [طه:37-41]، هذا التنوع في عرض صفات المولى من صفات الجلال والجمال مما يولد كمال الإيمان ويؤدي إلى تحقق معنى إِنَّنِى أَنَا ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ فيدعوه لتحقيق فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِى. وفي اللقاء كان السؤال وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ [طه:17]، وهو سؤال مؤانسة، وهي أجمل أنواع الأنس بجوار المولى. عند اللقاء مع فرعون كان التوجيه للأسلوب: فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ [طه:44]. ثم الانتباه للمعارك الجانبية: قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلاْولَىٰ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبّى فِى كِتَـٰبٍ لاَّ يَضِلُّ رَبّى وَلاَ يَنسَى [طه:51، 52]. وكان الصراع بين الفكرة للتغيير في ظل هدي رب العالمين وبين الدعوة للتدجيل. ويبدأ فرعون بمحاولة إحراج موسى: أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً [الشعراء:18] ويرد عليه موسى: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرٰءيلَ [الشعراء:22]. في الآية عرض ونقد، حاكم يقيم شرعيته على مبدأ الولاء في مقابل العطاء، ونبي يدعو إلى شرعية تقوم على حقوق الرعية دون تفرقة وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرٰءيلَ [الشعراء:22]. بعد ذلك تلجأ السلطة لآلياتها للمحافظة على ضبط الجماهير: قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَاناً سُوًى [طه:57، 58]، فَتَنَـٰزَعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ قَالُواْ إِنْ هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِىَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلاْعْلَىٰ وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّـٰحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ فَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُواْ امَنَّا بِرَبّ هَـٰرُونَ وَمُوسَىٰ قَالَ ءامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسّحْرَ فَلاقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ وَلاصَلّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءنَا مِنَ ٱلْبَيّنَـٰتِ وَٱلَّذِى فَطَرَنَا فَٱقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِى هَـٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا إِنَّا امَنَّا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَـٰيَـٰنَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسّحْرِ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَـٰتُ ٱلْعُلَىٰ [طه:71-75]. وكانت الهزيمة، وتجلت مظاهر الشهادة، ونالوا درجة المقربين والأجر، ولكن من رب كريم، وكان هذا بداية انهزام مؤسسة الطغيان أمام فكر التوحيد والتحرير، على الرغم من الخسارة المادية المتمثلة باستشهاد نفر من المؤمنين. إن اللجوء للعنف علامة إفلاس فكري لأن من يملك الحجة يحاور، فحين يعجز يقمع.
الخطبة الثانية لم ترد.
| |
|