molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الثقة في الله وعدم الإحباط - عبد الله بن إبراهيم الكيلاني / عمّان الثلاثاء 24 يوليو - 10:39:37 | |
|
الثقة في الله وعدم الإحباط
عبد الله بن إبراهيم الكيلاني / عمّان
الخطبة الأولى يولد موسى عليه السلام ليكون إيذاناً بميلاد أمة، ولتتحقق على يده إرادة الله: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ [القصص:5]. يولد عليه السلام من رحم المخاطر، في ظل نفاذ قانون بقتل كل طفل من بني إسرائيل، و موسى منهم، فقرار إعدام موسى قد صدر قبل أن يولد، وبدأ جنود فرعون يبحثون عن كل صغير لتنفيذ حكم الطاغية الذي علا إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى ٱلأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْىِ نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ [القصص:4]. وتكشف الآية الكريمة عن أسلوب فرعون في الحكم القائم على سياسة تفريق المجتمع، على مبدأ: فرِّق تسُد، ليتمكن من السيطرة عليه، وهذا معنى قوله سبحانه: وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً الآية. و انظر بعجب لعظيم إرادة الله. كيف تـتحول المخاطر إلى أسباب أمن، كما كانت النار من قبل برداً وسلاماً على إبراهيم ـ عليه السلام ـ فيوحي الله إلى أم موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱليَمّ وَلاَ تَخَافِى وَلاَ تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَـٰعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ [القصص:7]. الإلقاء في اليم مظنة هلاك، لكنها لموسى سبب نجاة!!! ووقوع طفل من بني إسرائيل في يد جندي من جنود فرعون يعني الموت المحتم. فكيف إذا التقطه فرعون نفسه؟ إنها النهاية. واعجباً كيف تكون النهاية في منظار البشر، هي البداية في حقيقة تنفيذ القدر، إذ تتدخل امرأة فرعون: لاَ تَقْتُلُوهُ [القصص:9]. هذا ما يتلوه علينا القرآن: وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱليَمّ وَلاَ تَخَافِى وَلاَ تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَـٰعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ فَٱلْتَقَطَهُ ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَـٰطِئِينَ وَقَالَتِ ٱمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لّى وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً [القصص:7-9]. لكن ما حال أمه التي أرضعت ولدها ثم وضعته في التابوت، حين تسمع أن ولدها وقع بيد فرعون: وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ [القصص:10]، لو نطقت الأم لهلك موسى، لو قالت: ولدي لهلك ولدها، وقد سبقت الإرادة الإلهية حماية للطفل وتنفيذاً للوعد الحق بتثبيت فؤادها، والربط على قلبها. وفي الربط على قلب أم موسى درس للدعاة لأهمية تنمية القدرة على ضبط انفعالات النفس حتى لا يصدر منهم ما يؤدي إلى هلاكهم. ثم تتابع الأحداث: وَقَالَتْ لاخْتِهِ قُصّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَـٰصِحُونَ [القصص:11، 12]، وفي الآية إشارة خفية إلى أهمية ضبط الانفعالات نجده في ما يروى عن ابن عباس: (لما قالت أخت موسى عليه السلام: وَهُمْ لَهُ نَـٰصِحُونَ قال فرعون: وما أدراك أنهم له ناصحون، قالت: لحرصهم على رضا الملك). وتـتابع الأحداث: فَرَدَدْنَـٰهُ إِلَىٰ أُمّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [القصص:13]. وهكذا عاد موسى إلى أمه، ترضع ولدها وتأخذ أجرها. وفي السورة عبرة لأم موسى، لتعلم، وكذا كل مخاطب بهذه السورة ليتعلم ويوقن ويعلم: أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فيسعى لتحقيقه. إن هذه الآيات من العهد المكي، تعطي الدرس الأول في التحرير، وهو بث الثقة بالله في قلوب المؤمنين نواة التغيير وصُناع الفجر المرتقب. من خلال تقرير حقيقة وعقيدة: 1- أن إرادة الله فوق الأسباب الظاهرة. 2- أن من أسباب بقاء الأوضاع المتخلفة ركون الشعوب وقبولها. 3- إذا تولدت لدى الأمة إرادة التغيير وأيقنت وآمنت أنها قادرة مقتدرة، صنع الله التغيير على يديها، مهما بدت الأوضاع قاسية، والتغيير صعباً، فإن السورة التي بين يدينا تؤكد أن وعي الأمة لحقوقها، وامتلاء إرادة التغيير في قلوبها يذلل الصعاب. 4- إذا أحبطت الأمة استكانت، ومن ثم تخاذلت، فتألَفُ ضياع حقوقها، وتنسى الشوق للتحرر. السورة التي بين يدينا تؤكد أن مفتاح الحل للشعوب المستضعفة إيمانها بأنها ـ بإذن الله ـ قادرة مقتدرة، وأن لا تستكين، مهما ظهرت الأسباب والظروف قاسية، فهناك وعد حق بأن وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ [القصص:5]، وهناك بشائر تجعل المسلم يرى في العسر يسراً آت يتبعه يسر فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5، 6]، هذه الحقيقة صاغها القرآن بأكثر من معنى، منها قوله سبحانه: حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا[يوسف:110]. لقد أدرك رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أن قصة موسى تحمل البشائر للمسلمين في مكة، فحين كان في الغار مع أبي بكر، يقول أبو بكر: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا. فيقول عليه السلام: ((لا تحزن، إن الله معنا)) فيتلوا عليه اللفظ ذاته الذي خاطب الله به أم موسى: وَلاَ تَخَافِى وَلاَ تَحْزَنِى[القصص:7].
الخطبة الثانية لم ترد.
| |
|