molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: مبطلات الأعمال - خالد بن عبد الله المصلح الجمعة 4 نوفمبر - 3:29:29 | |
|
مبطلات الأعمال
خالد بن عبد الله المصلح
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها المؤمنون، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، فإنها خير ما يقدم به العبد على ربه تعالى، قال الله تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ [البقرة:197].
عباد الله، احذروا الذنوب والآثام صغيرها وكبيرها؛ فإنها ـ والله ـ بئس زاد المرء يقدم به على ربه، فهي سبب كل شر وداء في الدنيا والآخرة.
ومن شؤمها وسوء عاقبتها أن منها ما يحبط العمل ويبطل السعي ويبدد الجهد، ولذا فإن الله تعالى أمر المؤمنين بطاعة الله ورسوله، ونهاهم عن إبطال أعمالهم بمعصية الله ورسوله، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33]. قال أبو جعفر الطبري رحمه الله عند هذه الآية: "ولا تبطلوا بمعصيتكم إياهما ـ أي: الله ورسوله ـ وكفركم بربكم ثواب أعمالكم، فإن الكفر بالله يحبط السالف من العمل الصالح".
أيها المؤمنون، ذروا ظاهر الإثم وباطنه، فإن الله تعالى قد توعد على بعض الذنوب بإحباط العمل وإبطال السعي.
فمن ذلك الارتداد عن دين الله والكفر بعد الإيمان، فإنه أعظم ما يبطل الأعمال ويحبطها بالكلية، قال الله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، وقال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:5]، وقال تعالى عن أعمال الكفار والمكذبين: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]. والآيات في هذا المعنى كثيرة في كتاب الله تعالى، دالة على أن كل من كفر أو ارتد عن دينه ومات على ذلك فقد حبط عمله، وبطل سعيه، ومآله إلى جهنم وبئس المصير.
أيها الإخوة الكرام، إن الارتداد عن دين الله تعالى والكفر بالله جل وعلا يكون بأمور عديدة:
منها الشرك بالله تعالى في عبادته سبحانه أو في ربوبيته تعالى ذكره أو في أسمائه وصفاته عز وجل، قال الله تعالى: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [التوبة:17].
فالشرك ـ يا عباد الله ـ يحبط العمل بالكلية، فلا تنفع معه حسنة، كما قال الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ [إبراهيم:18].
ولتقرير هذه الحقيقة وهي أن الشرك يحبط العمل خاطب الله سبحانه نبيه ورسوله الذي عصمه من الوقوع في الكبائر فضلاً عن التلطخ بأرض الشرك، فقال تعالى مخاطبًا نبيه محمدًا : وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].
أيها الناس، إن الشرك بالله تعالى في ألوهيته أو ربوبيته أو أسمائه أو صفاته أمر خطير عظيم، خافه أولو العزم من الرسل، وخافه النبي على أصحابه رضي الله عنهم.
فاحذروا الشرك عباد الله، ولا يظنن أحدكم أنه بمنأى عن الشرك أو في أمان من الوقوع فيه، فإن هذا خطأ وضلال، قال تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].
أيها المؤمنون، إن الشرك الذي يحبط العمل بالكلية هو أن تجعل لله ندًا وهو خلقك، وذلك بأن تصرف العبادة أو نوعًا منها لغير الله تعالى، كأن تحب غير الله، أو تحب معه غيره، أو تعظم غير الله، أو تتوكل على غيره، أو تدعو غيره، أو تذبح لغيره، أو تنذر لغيره، أو تطيع غيره في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله تعالى.
ومن الشرك المحبط للعمل اعتقاد العبد النفع والضر بغير الله تعالى، وأن غيره سبحانه قادر على جلب المنافع ودفع المضار استقلالاً. ومن الشرك أيضًا جحد شيء من أسمائه وصفاته نعوذ بالله من ذلك.
عباد الله، إن مما تحصل به الردة المبطلة للأعمال عدم اعتقاد كفر الكفار أو الشك في كفرهم أو تصحيح مذهبهم أو اعتقاد جواز التدين بغير دين الإسلام، قال الله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:256]، وقال : ((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل)) رواه مسلم[1].
فكل من لم يكفر الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم أو شك في كفرهم أو اعتقد صحة ما هم عليه فقد كفر بما أنزل على محمد نعوذ بالله من ذلك.
ومما تحصل به الردة المحبطة للأعمال بغض شيء مما جاء به الرسول ، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:8، 9]. فمن كره تحريم الربا أو وجوب الصلاة مثلاً فقد حبط عمله وكفر بالله تعالى.
ومما يحصل به الارتداد عن دين الله الاستهزاء بشيء من دين الله تعالى أو ثوابه أو عقابه أو ما يتعلق بذلك، قال الله تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65، 66].
ومنها جحد شيء مما جاء به الرسول .
ومنها سب الله تعالى أو سب الرسول ، فإن هذه الأمور مما تحصل به الردة والكفر بالله تعالى، نعوذ بالله من ذلك.
أيها المؤمنون، إن مما يحبط أعمال العاملين ويخيب سعيهم الرياء في العمل، وهو أن يطلب العبد بعمله ثناء الناس ومدحهم وذكرهم، قال الله تعالى في حق المرائين بنفاقهم: كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة:264]، وفي حديث أبي أمامة قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ قال: ((لا شيء له))، فأعاده عليه ثلاثًا، كل ذلك يقول: ((لا شيء له))، ثم قال: ((إن الله لا يقبل من العمل إلا ماكان خالصًا وابتغي به وجهه)) رواه أبو داود والنسائي[2].
وهذا يفيد أن العمل الذي لا يبتغى به وجه الله تعالى حابط باطل لا ينفع صاحبه، فكل من عمل عملاً طلب فيه غير وجه الله تعالى فإن عمله مردود عليه، وليس له عند الله فيه من خلاق.
أيها المؤمنون، إن مما يحبط العمل ويجعله هباء منثورًا انتهاك حرمات الله تعالى في الخلوات، فعن ثوبان مرفوعًا: ((لأعلمن أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضًا، يجعلها الله عز وجل هباءً منثورًا))، قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا، جلِّهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: ((أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل ما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)) رواه ابن ماجه بسند صحيح[3]
[1] صحيح مسلم في الإيمان ( 23) من حديث أبي مالك عن أبيه.
[2] سنن النسائي في الجهاد (3140).
[3] سنن ابن ماجه في الزهد (4245).
الخطبة الثانية
أما بعد: فإن مما يبطل العمل ـ أيها المؤمنون ـ المَنّ والأذى بالطاعات، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264]. فمَنْ مَنَّ بصدقته وطاعته فقد حبط عمله وخاب سعيه وأوجب ذلك عقوبته، فعن أبي ذر مرفوعًا: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا ي+يهم ولهم عذاب أليم)) كررها ثلاثًا، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: ((المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)) رواه مسلم[1].
فاتقوا الله عباد الله، واشهدوا مِنَّةَ الله عليكم أن هداكم للإيمان، فلولا فضل الله عليكم ما زكا منكم من أحد أبدًا، ولكن الله ي+ي من يشاء، والله سميع عليم.
عباد الله، إن مما يحبط العمل ترك الصلاة المفروضة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة)) رواه مسلم[2]، وفي المسند قال : ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))[3].
وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة، فعن عبد الله بن شقيق رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمد لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة. رواه الترمذي بسند صالح، وقد جاء في الصحيحين أن النبي قال: ((من ترك صلاة العصر حبط عمله))[4].
فهذه النصوص ـ أيها المؤمنون ـ تفيد أن ترك الصلاة من محبطات الأعمال.
قال ابن القيم رحمه الله عند كلامه على الحديث الأخير: "والذي يظهر في الحديث ـ والله أعلم بمراد رسوله ـ أن الترك نوعان: ترك كلي لا يصليها أبدًا، فهذا يحبط العمل جميعه، وترك معين في يوم معين فهذا يحبط عمل ذلك اليوم. فالحبوط العام في مقابلة الترك العام، والحبوط المعين في مقابلة الترك المعين".
فعلى هذا ـ أيها المؤمنون ـ من ترك صلاة من الصلوات في يوم من الأيام تهاونًا كأن يترك صلاة الفجر من يوم أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء فإن عمله ذلك اليوم حابط باطل، ولو كان أمثال الجبال، أما من ترك الصلاة بالكلية فهذا كافر مرتد، كل عمله باطل حابط، نعوذ بالله من الخذلان.
أيها المؤمنون، إن مما يحبط العمل ويفسد السعي التألى على الله تعالى المصاحب للعجب، فعن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان؟ قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك))[5].
أيها المؤمنون، ذكر أهل العلم رحمهم الله أن التعامل بالربا مما يحبط العمل، واستدلوا لذلك بما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لما أُخبرت بأن زيد بن أرقم باع عبدًا بثمانمائة نسيئة واشتراه بستمائة نقدًا، قالت للتي أخبرتها: أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب.
فاتقوا الله عباد الله، ولا تأكلوا الربا أضاعفًا مضاعفة، واعلموا أن من السيئات ما يذهب الحسنات، فذروا ظاهر الإثم وباطنه كما أمركم الله تعالى بذلك.
[1] صحيح مسلم في الإيمان (106).
[2] صحيح مسلم في الإيمان (82).
[3] مسند أحمد (22498) من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه.
[4] صحيح البخاري في مواقيت الصلاة (594) من حديث بريدة رضي الله عنه.
[5] أخرجه مسلم في البر والصلة (2621).
| |
|