molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أمراض القلوب وعلاجها - أحمد بن عبد الكريم نجيب الثلاثاء 18 أكتوبر - 10:25:26 | |
|
أمراض القلوب وعلاجها
أحمد بن عبد الكريم نجيب
الخطبة الأولى
أما بعد:
أمة الإسلام، إن الله تعالى خلق الإنسان فسواه وعدله في أحسن تقويم وحمّله أمانة أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72]، كما أخبر تعالى .
وبتحمل الإنسان هذه الأمانة لزمه أن يتقي الله فيها وأن يحرص على أدائها وأن يجند في سبيل ذلك ـ ما استطاع ـ قلبَه وعَقله وجوارحه .
وأهم ذلك كله قلبه الذي بين جنبيه، الذي يناط بصلاحه صلاح الجسد كله، فقد روى الشيخان عن النعمان بن يشير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)).
والقلب وعاء التقوى الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وهو يقول: ((التقوى ههنا))، فدل ذلك مجتمعاً على أن الجوارح ترجمان القلب فإن استقام استقامت وإن حاد حادت.
وإنما سمي القلب باسمه هذا لكثرة تقلبه، وقد قيل :
وما سُمّي الإنسان إلا لنسيه ولا القلــب إلا أنّـه يتقـلّـب
وقد ذكر القرآن الكريم ثلاثة أنواع من قلوب العباد :
أوّلها: القلب السليم: الذي سلمه الله من أمراض الشبهات والشهوات وانتدبنا لنلقاه به فننال النجاة يوم نلقاه، فقال تعالى: يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88، 89].
ووصف به خليله إبراهيم أبا الأنبياء عليهم السلام، فقال عنه: إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الصافات:84].
والقلب الثاني هو: القلب الميت، قلب الكافر الذي أشرب الكفر حتى ران عليه فمنع وصول الحق إليه، قال تعالى: وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:155]، ووصف تعالى قلب الكافر بالقسوة فقال: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِىَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة:74].
أما القلب الثالث فهو القلب السقيم المثقل بمرض الشهوات أو الشبهات أو بهما معاً، كما في قوله تعالى: فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32].
وقوله سبحانه: وَإِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُواْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ [النور:48-50].
أمّا في السنّة النبوية المشرفة فالقلوب نوعان، والحكم على القلب إنّما يكون بحسب موقفه من الفتن التي يتعرّض لها أو تعرض له.
عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله : ((تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب على قلبين قلب أسود مرباداً كالكوز مُجَخِّياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض)) [رواه مسلم].
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتةٌ سوداء في قلبه فإن تاب ورجع واستعتب ـ أي ندم ـ صُقل قلبه وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي قال تعالى: كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [المطففين:14])) [رواه الترمذي والنسائي].
من يهُن يسهل الهوان عليه ما لجَـرحٍ بـميّـتٍ إيـلامُ
عباد الله، قلوب العباد ـ إذن ـ على أنواع: منها السليم ومنها السقيم، فالسليم منها ما سلّمه الله من الفتن، والسقيم ما أشربها ووقع في الذنوب .
قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
فإذا سلّمنا بحقيقة مرض القلوب وأنّها واقع لا خيال، وحقيقة لا وهم، تعيّن علينا أن نبحث عن الدواء لأن الله تعالى قال: ((لم ينزل داءاً إلا أنزل له دواءً عرفه من عرفه وجهله من جهله)).
ولا سبيل إلى معرفة الدواء ما لم نقف على حقيقة الأدواء التي تصيب القلوب، وهي كثيرة فتّاكة، من أخطرها اتباع الشهوات والشبهات:
إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف النجاة وكلّهم أعدائــي؟
فمن استسلم لشيء من ذلك وأسلم له القياد فقد اتبع هواه وأعرض عن مولاه، قال تعالى: أَرَءيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً [الفرقان:43]، قال بعض السلف: هو الذي كلما هوي ـ أي أحب ـ شيئاً ركبه ـ أي ارتكبه ـ.
ومن الرزايا الملمّة بالقلوب داء الإعراض عن كتاب الله تعالى، والانصراف عن شريعته، وهذا سبب من أسباب قسوة القلوب التي ابتلي بها من أعرض عن الذكر واتخذه وراءه ظهريّاً .
فإذا عرفنا الداء العضال الذي يصيب القلوب فلا بد من البحث عن الدواء ودفعه بقدر المستطاع، وتطهير القلوب من درن المعاصي وآصار الذنوب فقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في أوائل ما أوحى به إليه بطهارة القلب وت+يته من أدرانه فقال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ [المدثر:1-4].
وجمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم كما يقول ابن القيم رحمه الله على أن المراد بالثياب هنا القلب، والمراد بالطهارة إصلاح الأعمال والأخلاق كما قال ابن القيّم في (إغاثة اللهفان) .
ومما يطهر القلوب وينقيها من الذنوب أمور من أبرزها :
الرجوع إلى كتاب الله القائل: وَنُنَزّلُ مِنَ ٱلْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82]، قبل أن تحيق الندامة بمن أعرض عنه، ويكون خصيمه رسول الله ذات يوم وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبّ إِنَّ قَوْمِى ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْءاَنَ مَهْجُوراً [الفرقان:30].
ومن أدوية القلوب أيضاً الانصراف إلى ذكر الله تعالى أو الإكثار منه، إذ إن القلوب القاسية لا يلينها مثل الذكر ولا يهذبها مثل الطاعة والانقياد لله تعالى، وهو القائل: أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ [الرعد:28]، والقائل في وصف عباده الصالحين: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ [الرعد:28].
فمن اطمأنّ قلبه بذكر الله وعُمر بمحبته ذاق حلاوة الطاعة ولذة الصدق مع الله تعالى . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.
ومن أسباب سلامة القلوب أيضاًً ما حصره ابن القيم في (الداء والدواء) بالسعي إلى إحراز السلامة من خمسة أشياء: ومن شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض التجريد والإخلاص .
اللهم إنا نسألك سلامة الجوهر وصلاح المظهر والسلامة والعافية من كل داء وبلاء .
الخطبة الثانية
أما بعد:
عباد الله، إن مما يجلب الخير للفرد والمجتمع أن ننقي سرائرنا مما علق بها من أحقاد وما عشعش فيها من أغلال تجاه بعضنا البعض، وأن نتعامل مع المخالف وفق الضوابط الشرعيّّة .
فليتق الله أقوام زلت أقدامهم فوقعوا في أعراض إخوانهم وأوقعوا بين آخرين سواء بألسنتهم أو أيديهم أو وشايتهم إلى من يبادر بالجرح والطعن في من خالف فيما يسوغ فيه الخلاف .
ومن ذلك ما طلع به أحد المقيمين في هذه البلاد مؤخراً بتسخير بريده الإلكتروني لمثل هذه الأمور والترويج لكتابات تتهم الجميع بما لا ينجو منه أحد، وكأنّه يقول: (أنا الحق والحق معي).
ونذكر من ابتلي بشيء من ذلك بما أخرجه الامام أحمد وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوساً مع رسول الله فقال: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة))، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك .. فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى .. فلما قام تبعه عبد الله عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، فقال: إني لاحيت (أي خاصمت) أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي، فعلت؟ قال: نعم قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً، غير أنه إذا تعار (أي تنبه من نومه) وتقلب على فراشه ذكر الله حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً.
فلما مضت الليالي الثلاث، وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله: إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ثم، ولكن سمعت رسول الله عليه وسلم يقول ثلاث مرار: ((يطلع عليكم رجل من أهل الجنة)). وطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال الرجل: ما هو إلا ما رأيت، قال عبد الله: لما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي والله التي لا نطيق .
فاتقوا الله عباد الله في إخوانكم وكفوا عن اللمز والتشهير ببعضكم فإن الغيبة هي الحالقة تحلق الدين والعياذ بالله كما في الحديث .
ألا وصلّوا وسلّّموا على نبيكم والأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
| |
|