باب الابدال

من طرف محمد لبويهي

الهمز المفرد الساكن والهمز المفرد المتحرك بالفتح
قال ابن بري:
(القول في إبدال فاء الفعل *** والعينِ واللامِ صحيحَ النقل)
أشار رحمه الله إلى أنه سيذكر ما صح نقله عن الإمام نافع من إبدال للهمز المفرد الواقع إما فاء أو عينا أو لاما للكلمة ، والهمز المفرد هو الذي لم يلاصق مثله ، أي لم تأت بعده همزة أخرى وينقسم إلى قسمين : ما يبدل ، وما تنقل حركته ، والهمز المبدل إما أن يكون ساكنا أو متحركا ، وهو يكون فاء للفعل نحو يؤمن = يُـفْعِـلُ ) أو يكون عينا للفعل نحو: ( فؤاد = فُعال) أو لاما للفعل نحو: ( نبّئ = فعِّل )
ثم قال :
( أبدلَ ورشٌ كلَّ فاء سَكَنَتْ *** وبعد همز للجميع أُبْدِلَتْ )
أشار إلى حكم الهمزة الساكنة الواقعة في موضع الفاء من الكلمة ، وهي إما أن تكون بعد حرف غير همز أو بعد همز، فإذا وقعت الهمزة الساكنة بعد حرف غير همز ، فورش يبدلها حرف مد مجانس لحركة ما قبلها وصلا ووقفا في الأسماء والأفعال ، فيبدلها ألفا إثر الفتح نحو: ( يامرون ـ ماتيا ـ استاجره ـ) ويبدلها واوا إثر الضم نحو:( المومنون ـ يوتون ـ ويبدلها كذلك إذا دخل عليها واو أو فاء ، نحو : ( واتوا ـ واتمروا ـ فاذنوا ـ فاذن ) لأن الواو والفاء في حكم الكلمة الواحدة ، إذ لايجوز الوقف عليهما والابتداء بما بعدهما ويبدلها كذلك إذا كانت الحركة منفصلة قبلها في كلمة أخرى، نحو: ( إلى الهدى ائتنا ـ وقال الملك ائتوني به ـ الذي اؤتمن ) فيبدلها ألفا بعد الفتح وواوا بعد الضم وياء بعد ال ر فتقرأ:(إلَى الهُدَاتِـنا ـ وقال المَلِكُوتُونِي ـ الذِيتُـمِنَ ) وأما إذا وقعت الهمزة الساكنة بعد همزة أخرى ، فإنها تبدل وجوبا ، لغة وقراءة ، نحو : ( ءامن ـ أوتي ـ إيمان ـ إيتنا ـ إيتوني ـ أوتمن ) . فالأصل : ( ءأْمن ـ أؤتي ـ إئمان ـ إئتنا ـ إئتوني ـ أؤتمن ) . ثم قال :
( وحَقِّقِ الإيوا لما تدْريهِ *** من ثقل البدل في تؤويهِ )
أمر بتحقيق لفظ ( الإيوا ) أي أن ورش استثنى من هذه القاعدة الشاملة من أصل إبداله لكل همزة ساكنة وقعت فاء للكلمة باب " الإيواء "، أي ما تصرف منه ،وهو سبعة ألفاظ :
{ المأوى } نحو :{ أمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون} السجدة/19 ،ووردت في : النجم آ:15 والنازعات آ39 و41
{ مأواه } نحو:{ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۚ وَبِيس المصيرُ }
آل عمران/ 162، وردت :15 مرة .
{ مأواهم} نحو : { أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } يونس /8 وردت :12 مرة .
{ مأواكم }نحو :{ وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُوَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }
الجاثية / 34 . وردت مرتين
{ فأووا } في قوله تعالى : { وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ ر َحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِن اَمْرِكُمْ مَرْفِقا } الكهف/16
{ تؤويه } في قوله تعالى :{ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ } المعارج/ 34
{ تؤوي } في قوله تعالى :{ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ۖ ...} الأحزاب/51
ثم قال :
( وإن أتت مفْتوحةً أبْدَلها *** واوا إذا ما الضَّمُّ جاء قبلَها )
أي أن الهمزة المفردة المتحركة بالفتح الواقعة فاء للكلمة ، يبدلها ورش واوا خالصة شرط أن يأتي قبلها ضم ، نحو: ( لا تؤاخذنا ـ المُؤَلفة - مُـؤَجلا - مـؤَذن ) فتقرأ : (( لا توَاخذنا ـ المُوَلفة - مُـوَجلا - مـوَذن ) وإذا أتى قبلها حركة غير الضم أو تحركت هي بغير الفتح فلا يبدلها ، نحو : ( تؤزهم ـ يؤوده ـ لأمه). ثم قال :
( والعَين واللام فلا تبْدِلْهُما *** لنافع إلا لدى بِئْسٍ بما )
أي أن نافع من روايتيه لا يبدل الهمزة الساكنة إذا أتت في موضع العين أو اللام من الكلمة إلا في : ( بيس بما ) في قوله تعالى :{... وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بِـيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } الأعراف /168 ، فيتفق قالون وورش على الإبدال هنا . ثم قال :
( وأبْدَلَ الذئْب وبئْرٍ بيسَ *** ورشٌ ورِئْياً بِادِّغامٍ عيسى )
خالف الإمام ورش أصله في بعض الكلمات وقعت الهمزة المفردة الساكنة فيها عينا للكلمة فأبدلها ، وذلك في أصل مطرد و كلمتين :
فالأصل المطرد : كل ما جاء في القرآن من لفظ : ( بيس و بيسما ) نحو :
{ بِيسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمُ و أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } البقرة /90 .
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِيسَ الْمِهَادُ } البقرة / 206
{ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِيسَ الْمِهَادُ } آل عمران / 197 .
والكلمتان هما : ( الذيب ) في ثلاثة مواضع بسورة يوسف ، في قوله تعالى :
{ قَالَ إِنِّي لَيُحْزِنُنِيَ أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَاكُلَهُ الذِّيبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ }آ:13
{ قَالُوا لَئِنَ اََكَلَهُ الذيبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ اِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ }آ: 14
{ قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّيبُ ... }آ: 17
( و بيـر ) في سورة الحج ، في قوله تعالى :{ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ اَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِيـرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ }آ: 45
وأما قالون فاختص بإبدال ( رئيا ) في سورة مريم ، وأدغم الياء في الياء ، فقرأ : ( ريَّا )
{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِيَّـا }آ: 74وهو المقصود بقوله:"عيسى".
ثم قال :
( وإنما النَّسِيءُ ورْشٌ أبْدَلهْ *** ولسُكونِ الياء قبلُ ثَقَّلهْ )
ويعني بذلك كلمة : (النسىءُ ) في قوله تعالى : { إِنَّمَا النَّسِيُّ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ } التوبة /37 . فهي مستثناة لورش من تحقيق الهمز المتحرك الواقع لاما للكلمة ، فهو يبدلها. والكلمة أصلها ( النسيء ) أبدلت الهمزة ياء وأدغمت الياء الأولى الساكنة في الثانية المبدلة ، فصارت : ( النسيُّ ) بياء واحدة مشددة ، وهو معنى قوله: ( ولسُكونِ الياء قبلُ ثَقَّلهْ ) .
والله تعالى أعلم
الرباط : المسجد الأعظم
رمضان : 1431 هـ
الموافق : غشت : 2010 م
الدكتورة نعيمة غنام شرح أرجوزة: ( الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع )

مشكور اخي